ماري نوفيك- إيان سميث- ديفيد كيوهان
تشهد أسواق السندات الأوروبية عمليات بيع مكثفة من قبل المستثمرين اليابانيين، بوتيرة هي الأسرع، منذ أكثر من عقد، ويحذر المحللون من أن هذه الخطوة، التي يقوم بها أحد أكبر المستثمرين في السندات الأوروبية، قد تؤدي إلى تراجع حاد في أسعار السندات.
ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية اليابانية، وبنك اليابان، والتي جمعها بنك غولدمان ساكس، فقد ارتفع صافي مبيعات المستثمرين اليابانيين إلى 41 مليار يورو، خلال الأشهر الستة المنتهية في نوفمبر. ويرى المحللون أن ارتفاع عائدات السندات في اليابان، والاضطرابات السياسية في أوروبا، بما في ذلك انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، والذي أسفر عن إجراء انتخابات الشهر المقبل، والاضطرابات في فرنسا التي تعمل بموجب قانون ميزانية طارئ، قد دفع المستثمرين إلى تسريع عمليات البيع، وكانت السندات الفرنسية الأكثر تعرضاً للبيع خلال هذه الفترة بقيمة 26 مليار يورو.
وقد أضافت هذه الخطوة مزيداً من الضغوط الحكومات الأوروبية المثقلة بالديون، والتي تواجه أصلاً ارتفاعاً في تكاليف الاقتراض. كما تبرز تأثير ارتفاع أسعار الفائدة اليابانية - بعد سنوات من بقائها في النطاق السلبي - في إعادة تشكيل الأسواق المالية العالمية.
ووصف ألان بوكوبزا، رئيس قسم تخصيص الأصول العالمية في «سوسيتيه جنرال»، عودة المستثمرين اليابانيين إلى السوق المحلية بأنها «نقطة تحول رئيسية لليابان والأسواق العالمية».
ورغم أن المستثمرين اليابانيين كانوا بائعين لسندات منطقة اليورو على مدى معظم السنوات الأخيرة، إلا أن وتيرة هذه المبيعات تسارعت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وأشار توماش فيلادك، الخبير الاقتصادي لدى شركة إدارة الأصول «تي رو برايس»، إلى أن التدفقات الاستثمارية اليابانية كانت «مصدراً مستقراً لطلب الحكومات الأوروبية على السندات لفترة طويلة»، محذراً من الأسواق تدخل الآن مرحلة جديدة تتسم بالحذر الشديد والتقلبات الحادة، والتي قد تشهد موجات متكررة من عمليات البيع السريعة والعنيفة.
وأدى الارتفاع الحاد في تكاليف التحوط ضد تقلبات قيمة الين إلى تراجع جاذبية الديون الخارجية، ووفقاً لنورياتسو تانجي، كبير استراتيجيي السندات في شركة «ميزوهو للأوراق المالية» في طوكيو، فإنه رغم انخفاض هذه التكاليف عن ذروتها في 2022، إلا أن عائد السندات الحكومية الإيطالية لأجل 10 سنوات للمستثمرين اليابانيين - بعد احتساب تكاليف التحوط - يبلغ حوالي 1% فقط، وهو ما يعادل تقريباً العائد على السندات اليابانية المماثلة. ولفت تانجي إلى أن البنوك الإقليمية اليابانية تتصدر قائمة المؤسسات التي تبيع الديون الأوروبية.
وأعلن بنك «نورينتشوكين» - أحد أكبر المستثمرين المؤسسيين في اليابان - العام الماضي عزمه بيع ما يزيد على 10 تريليونات ين من السندات الأجنبية، خلال هذه السنة المالية. وفي نوفمبر سجل البنك خسارة بلغت حوالي 3 مليارات دولار في الربع الثاني، بعد تسجيل خسائر على حيازاته الكبيرة من السندات الحكومية الأجنبية.
وكانت فرنسا، التي تعتبر أحد أكبر أسواق السندات في أوروبا، ووجهة مفضلة تقليدياً للمستثمرين اليابانيين نظراً للعائد الإضافي الذي توفره مقارنة بسندات ألمانيا القياسية، من أكثر الدول تأثراً بالتدفقات الخارجة للمستثمرين اليابانيين في الأشهر الأخيرة.
وقد تضاعف حجم هذا الانسحاب مع تفاقم الأزمة السياسية، التي أدت إلى سقوط حكومة ميشيل بارنييه، حيث بلغت التدفقات الخارجة 26 مليار يورو، خلال الفترة من يونيو إلى نوفمبر، مقارنة بمبيعات بلغت 4 مليارات يورو فقط في نفس الفترة من العام السابق.
وقال شيموس ماك غورين، رئيس قسم أسعار الفائدة العالمية في «جي بي مورغان لإدارة الأصول»: إن «قاعدة المستثمرين بالنسبة لفرنسا قد تغيرت بشكل واضح».
وعلى مدى العقدين الماضيين بات المستثمرون اليابانيون ركيزة أساسية في العديد من أسواق السندات، مدفوعين بالعوائد شبه المعدومة في بلادهم، للبحث عن فرص استثمارية في الخارج، وقد شمل هذا التوجه كبار المستثمرين مثل صناديق المعاشات التي تحتاج بطبيعة عملها إلى شراء ديون سيادية آمنة.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي بلغ إجمالي حيازات المستثمرين المؤسسيين اليابانيين من السندات الأجنبية ذروته عند 3 تريليونات دولار في أواخر عام 2020.
ومع تحول تركيز المستثمرين اليابانيين نحو العوائد المحلية، انخفض صافي مشترياتهم من السندات العالمية إلى 15 مليار دولار فقط على مدى السنوات الخمس الماضية، مقارنة بحوالي 500 مليار دولار، خلال الفترة نفسها من السنوات الخمس السابقة، وفقاً لتحليلات أليكس إيترا، استراتيجي الاقتصاد الكلي في «إكسانتي».
وأكد شيموس ماك غورين من «جي بي مورغان» أن هذا ليس تغيراً مؤقتاً، بل هو تحول جذري في المشهد الاستثماري، حيث أصبحت السندات اليابانية، التي كانت تُعتبر غير مجدية في السابق، خياراً جذاباً للمستثمرين المحليين.