ماذا يحدث عندما تسعى أكبر دولة منتجة للنفط في العالم إلى زيادة إنتاجها في الوقت، الذي تشهد فيه أكبر دولة مستوردة للنفط تراجعاً في الطلب؟ إن الصين، التي شكلت نصف نمو الطلب العالمي على النفط على مدى ثلاثة عقود، تظهر علامات على انخفاض الطلب، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي والتحول نحو الطاقة الخضراء والمركبات الكهربائية. في الوقت نفسه أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العائد إلى البيت الأبيض، حالة طوارئ وطنية في مجال الطاقة، لتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، وبدأ في إلغاء برنامج إدارة بايدن، الذي ركز على الطاقة الخضراء.

نظرياً قد تؤدي هذه التوجهات إلى زيادة المعروض وانخفاض الأسعار، لكن الواقع أكثر تعقيداً، ولا يزال التباين بين الولايات المتحدة والصين في جوهره منحصراً في وجهات نظر متباينة بشأن أمن الطاقة، وقد لا يعكس اعتماد بكين للطاقة المتجددة تحولاً نبيلاً نحو إنقاذ الكوكب بقدر ما يعكس عزماً استراتيجياً، لتقليل الاعتماد على النفط المستورد. وعلى النقيض، وبجانب شعبية شعاره «احفر يا حبيبي.. احفر» في أوساط المستهلكين، الذين ضاقوا ذرعاً بتكاليف الانتقال الأخضر، فإن ترامب لا يرغب في اعتماد الولايات المتحدة على سلسلة توريد الطاقة الخضراء، التي تهيمن عليها الصين.

وأشار سكوت بيسينت، الذي اختاره ترامب لشغل منصب وزير الخزانة، إلى أنه بإمكان الولايات المتحدة إنتاج 3 ملايين برميل إضافي من النفط المكافئ يومياً بحلول عام 2028. قد يكون هناك مجال، مع الوقت، لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وهو الذي يتوق الرئيس إلى تصديره لأوروبا. ومع ذلك، ورغم مما تحويه خطاباته وما يثار حول تخفيف القيود التنظيمية، إلا أنه ستكون هناك صعوبة في زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط، الذي يبلغ مستويات قياسية عن أي دولة بالفعل مع بلوغه 13 مليون برميل يومياً، ومن غير المرجح أن تعزز الشركات المنتجة للحفر كثيراً مع تسجيل أسعار الخام الأمريكي القياسي 75 دولاراً للبرميل. وخلص استطلاع أجري مؤخراً إلى حاجة مجموعات النفط لأن يسجل النفط 65 دولاراً للبرميل ليكون الحفر مربحاً، وتوصل إلى أن تسجيل البرميل 89 دولاراً سيكون مبرراً للزيادة الكبيرة للإنتاج.

وفي الوقت ذاته قد تنخفض صادرات بعض الدول الأخرى المنتجة للنفط بسبب التدابير الأمريكية، فقد فرضت إدارة بايدن، التي انتهت ولايتها منتصف هذا الشهر، عقوبات صارمة جديدة على النفط الروسي، الأمر الذي تشير تقديرات إلى أن ذلك قد يطيح بما يصل إلى مليوني برميل يومياً من السوق. وهدد الرئيس الأمريكي الجديد بالمضي قدماً في هذا النهج ما لم يبرم فلاديمير بوتين صفقة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ومن شأن التحركات الأمريكية الأكثر صرامة لتقييد الصادرات الإيرانية، وهي التي تتماشى مع نهج ترامب في فترته الرئاسية الأولى، أن تطيح بمئات الآلاف من البراميل يومياً من السوق.

من جانبه ظل تحالف «أوبك»، طوال أشهر، يحجم عن الزيادات المعتزمة للإنتاج من أجل موازنة السوق، التي تواجه انخفاضاً للطلب الصيني، وقد يؤدي برنامج ترامب إلى إطلاق العنان أمام زيادة إنتاج أرامكو السعودية بأكثر من شركات النفط الأمريكية. وفي كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس دعا الرئيس الأمريكي تكتل «أوبك» إلى خفض أسعار النفط العالمية. وبالنسبة لترامب فمن شأن ذلك أن يتيح له مجالاً للمضي قدماً في أهدافه الجيوسياسية دون التسبب في ارتفاع أسعار الوقود. وحتى إن لم ينتهِ الحال بمنتجي النفط الأمريكيين إلى زيادة إنتاجهم كثيراً، إلا أنهم سيكونون مسرورين برؤية ترامب وهو يعمل على تحفيز الطلب عن طريق تقليل حوافز التحول إلى المركبات الكهربائية، على سبيل المثال.

وفي واقع الأمر يبدو شعار ترامب «احفر يا حبيبي.. احفر» وكأنه يهدف إلى منح الثقة لمنتجي النفط والغاز، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما لأغلبية المنتجين حول العالم. ويرمز الشعار إلى اعتزام ترامب الإطاحة بالقيود التنظيمية، وكذلك بالقواعد الاستثمارية البيئية والاجتماعية وذات الصلة بالحوكمة، التي قيدت الصناعة في الأعوام الأخيرة، ويعكس كذلك نبذه للجهود الرامية إلى كبح التغير المناخي.

ومن الصعب تصور كيف لمثل هذه الجهود أن تنجح دون تحول عالمي واسع النطاق نحو اعتماد الطاقة الكهربائية المولدة عن طريق مصادر الطاقة الخضراء. وبالرغم من أنها ما زالت تستخدم الكثير من الفحم، إلا أن انتقال الطاقة الصيني يبدو وكأنه رهان على المستقبل، في حين تراهن الولايات المتحدة على الوضع القائم، وقد تكون هناك أسباب وجيهة تدفع الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب إلى تبني هذا الاختيار، لكن قد تكون العواقب هي أن تقف الولايات المتحدة في الجانب «الخطأ» من التاريخ، وأن تُمنى المعركة العالمية الرامية إلى احتواء الاحتباس الحراري العالمي بضربة قاصمة.