مارتن وولف

لقد هيمن موضوعان خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس مؤخراً، كان من اللافت تلك الهيمنة الواضحة لموضوعين رئيسيين هما: دونالد ترامب والذكاء الاصطناعي. وبين الموضوعين، من وجهة نظري، كان الأخير هو الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر أهمية.

وجرى توجيه قدر كبير من الاهتمام في المناقشات لشركة ديب سيك، الشركة الصينية الناشئة التي فاجأت الجميع. وقد تعلمنا ببساطة أن المعرفة تنتشر حول العالم، وأنه لن تحتكر أي دولة هذه التقنيات الجديدة. وقد فاجأ ذلك كله الأسواق.

وعموماً، ومع التقنيات الجديدة، فإن مثل هذه «المفاجآت» ليست مفاجئة. ولكن ذلك لا يغير السؤال الكبير، وهو ما يعنيه تقدم الذكاء الآلي بالنسبة لنا جميعاً؟ إن البشر اجتماعيون وأذكياء، وهذا المزيج هو «التطبيق القاتل» الذي يمتلكونه. وهو ما سمح لهم بالهيمنة على الكوكب. فقد اخترع الذكاء البشري التقنيات العامة التي شكلت العالم، من ترويض النار إلى ابتكار أجهزة الكمبيوتر.

لكن مع أجهزة كمبيوتر تفكر، فإن الأمور قد تتغير تماماً. وكان بليز باسكال، عالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي في القرن السابع عشر، قال إن «الإنسان ليس سوى قصبة هشة، وهو أضعف شيء في الطبيعة، لكنه قصبة مفكرة». فهل تقترب هذه الميزة الفريدة من نهايتها الآن؟

وقد حضرت خلال مشاركتي في منتدى دافوس مناقشتين رائعتين حول المكافآت والمخاطر المترتبة على التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي. كانت إحداهما مقابلة مع السير ديميس هاسابيس، المؤسس المشارك لشركة جوجل ديب مايند والحائز على جائزة نوبل في الكيمياء، أجرتها رولا خلف، رئيسة تحرير فاينانشال تايمز.

وكانت المقابلة الأخرى مقابلة مع داريو أمودي، المؤسس والرئيس تنفيذي لشركة أنثروبيك ومؤلف كتاب «آلات النعمة المحبة»، أجرتها زاني مينتون بيدوز، رئيسة تحرير مجلة الإيكونوميست. وقد أبرزت المقابلة مع هاسابيس التقدم الكبير الأخير في قدراتنا على إجراء التحليل العلمي، خاصة في علم الأحياء. وقال إن أكثر من مليوني باحث يستخدمون برنامج ألفا فولد الذي طورته شركة ديب مايند.

وأضاف: «لقد قمنا بطي جميع البروتينات المعروفة للعلم- أي نحو 200 مليون بروتين... والقاعدة الأساسية هي أن الأمر كان يتطلب من طالب الدكتوراه أن يكمل دراسته بالكامل للعثور على بنية بروتين واحد. لذا فإن العثور على 200 مليون بروتين كان ليستغرق مليار سنة من أوقات دراسات الدكتوراه.

وقد قدمنا كل ذلك للعالم مجاناً». وهذا، كما أوضح، هو «العلم بسرعة رقمية». والاحتمال الذي انفتح أمامنا، إذن، هو تسارع هائل في التقدم الطبي. والواقع أننا قد نختصر الخمسين إلى المئة عام القادمة من التقدم الطبيعي في غضون خمسة إلى عشرة أعوام.

وعلى نطاق واسع، قال أمودي، إنه يمكننا أن نتصور الذكاء الاصطناعي باعتباره «دولة كاملة من العباقرة في مركز بيانات»، وهو أمر ربما جعله الصينيون أرخص من ذي قبل. ولكن هل هؤلاء عباقرة حقاً؟ واختباري هنا هو: هل إذا كان الذكاء الاصطناعي، في ضوء المعرفة بكل الفيزياء حتى عام 1906، ولا شيء بعد ذلك، قادراً على إنتاج نظرية النسبية العامة لأينشتين.

ويبدو من المعقول أن يكون تأثير مثل هذه القدرة على حل المشاكل، سواء كانت «عبقرية» أم لا، قوياً ولافتاً. ومن الممكن، من بين أمور أخرى، أن تعمل على تسريع مجالات التحسن في المعرفة وبالتالي نمو الإنتاجية وانتشار الرخاء.

وكلاهما مرغوب فيه. وخلال العقود الأخيرة، كانت الزيادات في «إنتاجية العوامل الإجمالية» ــ والتي تعد أفضل مقياس للتقدم التقني ــ متواضعة بدرجة كبيرة. وعلاوة على ذلك، لا تزال أعداد هائلة من الناس تعيش في فقر مدقع، ومن المؤسف أن وتيرة التقدم قد تباطأت.

ومن الواضح أيضاً أن التقدم المتسارع قد يخلق صعوبات أيضاً. فقد يتغير هيكل سوق العمل بشكل كبير، مع إمكانية حدوث انخفاض حاد في الطلب على العمال الذين يعتمدون في أصولهم على الذكاء المدرب، لكن الروتيني إلى حد كبير. وتختلف التوقعات بشأن مثل هذه التأثيرات. وتشير ورقة بحثية في عام 2023 كتبها إريك برينجولفسون وجابرييل أونجر إلى أن التأثيرات على الإنتاجية قد تكون متواضعة، كما كانت الحال طوال الثورة الحاسوبية.

ولكن هذه المرة قد تكون مختلفة تماماً، مع ارتفاع الإنتاجية، لكن مع حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية كبيرة ومدمرة. ومرة أخرى، اعتماداً على كيفية استجابة المجتمع، قد يؤدي الذكاء الاصطناعي الناجح إلى «الإقطاع التكنولوجي»، في ظل تركيزات أكبر للثروة.

وقد يؤدي اختراع أعداد هائلة من العلاجات الجديدة إلى زيادة كبيرة في تكاليف الرعاية الصحية وكذلك تكاليف التعامل مع حياة أطول بكثير حتى لو كانت أكثر صحة في المحصلة. فهل الناس مستعدون للعيش فعلاً جنباً إلى جنب مع أجداد أجدادهم؟ وبالتالي، فإن الأشياء الجيدة على ما يبدو قد تخلق تحديات حقيقية كبيرة.

وإلى جانب ذلك، فإن تطوير الذكاء الاصطناعي المتصور يخلق مخاطر كبيرة. فكيف يمكن للمرء أن يتحكم في استخدامه من قبل الجهات المعادية والإرهابيين والقتلة الجماعيين؟ وما هي الأحكام الأخلاقية التي نسمح بها للذكاء الاصطناعي في الحرب؟ وكيف نتحكم في استخدامات الذكاء الاصطناعي في أنشطة المراقبة؟ وهل سيظل «الأخ الأكبر» يراقبنا إلى الأبد؟ ومرة أخرى، ماذا نفعل بشأن صناعة الأخبار المزيفة؟ وكيف تنجو الحرية من كل هذه التهديدات؟ لذلك، كان هاسابيس شديد الوضوح في الحاجة إلى قيود عالمية فعالة على استخدام الذكاء الاصطناعي.

وفي عصر التعاون الدولي المحطم وازدراء فكرة «النظام الدولي القائم على القواعد»، هل تعمل الصين والولايات المتحدة معاً على جعل الذكاء الاصطناعي آمناً؟ يبدو الأمر غير مرجح، خاصة لأن لديهما وجهات نظر مختلفة تماماً حول كيفية استخدام مثل هذه التقنيات.

لقد كتبت في عام 2015 مقالاً متشككًا بشكل عام حول التأثير المحتمل للتكنولوجيات الجديدة على إنتاجية الإنسان. وقد تثبت السنوات القليلة القادمة أنني مخطئ. ومع ذلك، لاحظت أيضاً أنه إذا اقتربنا من حالة «التفرد» - الذكاء الاصطناعي الذي يتفوق على كل الذكاء البشري - فيجب أن يتغير كل شيء.

وإحدى الأفكار العظيمة في مسلسل «Dune» لفرانك هربرت هي أنه في الماضي البعيد (الذي يمثل في واقع الأمر مستقبلنا)، قامت البشرية بشن معركة ناجحة ضد الآلات التي تفكر. بعد ذلك، كان على البشر أن يصبحوا خارقين.

وطبقاً للشرح الذي قدمته إحدى الشخصيات الرئيسية فإن «البشر وضعوا هذه الآلات لاغتصاب إحساسنا بالجمال، وذاتيتنا الضرورية، والتي نصدر من خلالها أحكاماً حية. وبطبيعة الحال، تم تدمير الآلات». وعموماً، يكون هذا القلق حكيماً. ولأنني واقعي يمكنني القول إن: الذكاء الاصطناعي قد خرج من «صندوق باندورا».