إدوارد وايت- هاوهسيانج كو

أحكمت الصين قبضتها على سوق المعادن الحيوية في الدول النامية على مدار عقدين من الزمن، مستعينةً في ذلك بشبكةٍ مُتشعّبة تضمّ ما لا يقل عن 26 مؤسسة مالية تدعمها الدولة، وذلك وفقاً لتقرير جديد يُسلّط الضوء على استراتيجيتها التمويلية.

ويكشف التقرير عن أن البنوك الصينية، وبالتعاون مع كيانات صينية خاصة وبعض المجموعات غير الصينية، قدّمت قروضاً تُقدّر قيمتها بنحو 57 مليار دولار خلال الفترة بين عام 2000 إلى عام 2021، وذلك في 19 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل.

وهدفت هذه القروض إلى تمويل عمليات استخراج ومعالجة النحاس والكوبالت والنيكل والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، التي تُشكّل مكوناتٍ أساسيةً في تقنيات الطاقة النظيفة، مثل بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية.

واستهدفت دراسة أجرتها «إيد داتاAidData» التابعة لكلية ويليام آند ماري في الولايات المتحدة، وراجعتها صحيفة فاينانشال تايمز، تحديد حجم التمويل الصيني لمشروعات استخراج المعادن في الدول النامية. ويسلط التقرير الضوء على التحدي الكبير الذي تواجهه الدول الغربية في محاولاتها لمواجهة هيمنة الصين على سلاسل التوريد العالمية للصناعات التقنية الخضراء الناشئة.

وقالت بروك إسكوبار، رئيسة برنامج التمويل التنموي الصيني في «إيد داتا»: «نظراً لأن نموذج التمويل الصيني يمكن الشركات الصينية من التفوق على منافساتها في قطاعات المعادن كثيفة رأس المال، فإن الشركات المنافسة بحاجة إلى تطوير ترتيبات تمويلية أكثر جاذبية وتتماشى مع تفضيلات الدول المضيفة».

ويُظهر التقرير أن أكثر من 3 أرباع التمويل الصيني المدعوم من الدولة لمشروعات المعادن في الدول النامية –سواء عبر الديون أو الأسهم– تم توجيهه إلى مشروعات تمتلك فيها كيانات صينية حصصاً في مشاريع مشتركة وكيانات ذات أغراض خاصة.

وتتمتع هذه الكيانات بسيطرة طويلة الأمد على عمليات استخراج ومعالجة رواسب المعادن الاستراتيجية، بما في ذلك النحاس من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبيرو، والنيكل في إندونيسيا، واحتياطيات الليثيوم في الأرجنتين. وتم جمع هذه البيانات من متلقي القروض، إذ نادراً ما تكشف المؤسسات المالية الصينية عن هذه المعلومات.

ويرى باحثو «إيد داتا» أن تمويل الصين للمعادن الانتقالية يختلف عن ممارسات الإقراض التقليدية التي تنتهجها بكين في إطار مبادرة «الحزام والطريق» التي تركز على البنية التحتية، وهي إحدى السياسات التنموية الخارجية البارزة للرئيس الصيني شي جين بينغ.

فعلى عكس معظم القروض الممنوحة لمشروعات مبادرة «الحزام والطريق»، التي تهيمن عليها مجموعة محدودة من البنوك التنموية الصينية، فإن شبكة المقرضين في قطاع المعادن أوسع نطاقاً بكثير.

وتلعب البنوك التجارية الصينية المملوكة للدولة، بما في ذلك البنك الصناعي والتجاري الصيني وبنك الصين وسيتيك، الدور الأكبر في هذا التمويل.

غير أن الشبكة تشمل 86 كياناً، من بينها 26 مؤسسة رسمية صينية إلى جانب عشرات الشركات الخاصة الصينية وبعض الممولين غير الصينيين، الذين قدّموا تمويلاً مشتركاً مع المشاركين المدعومين من الدولة الصينية في قروض مجمعة. ويمثل هذا الهيكل قاعدة دائنين أكثر تنوعاً مقارنةً بالإقراض التقليدي لمبادرة «الحزام والطريق».

ورفض «بنك الصين الصناعي والتجاري»، و«بنك الصين»، و«سيتك» الرد على طلب التعليق بشأن هذه البيانات، كما لم تستجب سبعة بنوك صينية كبرى أخرى حاولت صحيفة فاينانشال تايمز استطلاع رأيها.

ويتميز تمويل الصين للمعادن الانتقالية باعتماده في الغالب على الإقراض المتسلسل، وليس على القروض الفردية لمرة واحدة، وذلك على عكس نموذج الإقراض في مبادرة «الحزام والطريق».

فقد قدمت البنوك الحكومية الصينية في البداية قروض استحواذ لمساعدة الشركات الصينية على الحصول على حصص ملكية في المناجم، قبل أن توسع نطاق التمويل ليشمل التسهيلات الائتمانية اللازمة للتطوير وتوفير رأس المال التشغيلي.

وأظهرت بيانات «إيد داتا» أن نحو ربع القروض الصينية في قطاع المعادن كانت مدعومة بضامن صيني، مقارنةً بنحو 4 % فقط من إجمالي الإقراض الخارجي لبكين، ما يعكس تركيزاً متزايداً على تقليل المخاطر وحماية العوائد الاستثمارية.

وقالت «إيد داتا»، إن معظم القروض كانت موجهة نحو عمليات استخراج الموارد الأولية، مما ساعد الصين في تأمين إمداداتها من المواد الخام، وتعزيز هيمنتها على سلاسل التوريد العالمية عبر نموذج تكامل رأسي تتحكم فيه بالكامل، دون التأثير على قطاع معالجة المعادن داخل الصين.

كما أظهرت البيانات أن ثلثي التمويلات جرى توجيهها إلى مشاريع مشتركة أو كيانات ذات أغراض خاصة لا تمتلك فيها حكومات الدول المضيفة حصص ملكية كبيرة.

ورغم أن تجاوز الحكومات المحلية يخفّف من الأعباء المالية لتلك البلدان، إلا أنه قد يحدّ أيضاً من قدرتها على الاستفادة من العوائد المالية المستقبلية لهذه الاستثمارات، وفقاً للباحثين.

ومن المتوقع أن تتوسع هيمنة الصين في العديد من قطاعات التكنولوجيا النظيفة خلال العقد المقبل، رغم الجهود الأمريكية والأوروبية لدعم صناعاتها عبر مئات المليارات من الدولارات في شكل إعانات صناعية، إلى جانب تصاعد الحمائية التجارية من خلال فرض تعريفات جمركية وحظر المنتجات الصينية.