احتلت برامج البودكاست خلال السنوات الماضية مكانة كبيرة، ونجحت في ترسيخ وجودها ضمن عالم التواصل الاجتماعي، واستطاعت أن تشكل مجتمعاً جديداً من صناع المحتوى، وتوفر للجمهور تجربة ممتعة غير مقيدة بوقت محدد للعرض. وتتجسد إبداعات البودكاست في الإمارات بصيغ خلاقة نوعية في مستواها، تكفل تعزيز دوره في تثقيف المجتمع وأداء الإعلام لرسالة إيجابية فاعلة، يرتقي معها بمعرفة ووعي ومهارات مختلف الشرائح والفئات، وذلك بفضل مناخات الإبداع المحفزة في الدولة، بجانب البنية التحتية التكنولوجية الرائدة على مستوى العالم.
ووجد المهتمون بالثقافة بشتى صورها ضالتهم في كثير من برامج البودكاست الجذابة، ما فتح مجالاً من التساؤلات عن مدى قدرة هذه المحتويات التثقيفية على توظيف الأساليب الحديثة في مخاطبة المتلقي، وإثراء معارفه بصورة مكثفة لا تخلو من التشويق.
أداة قوية
وأكدت الإعلامية وصانعة المحتوى سلام حمّود لـ«البيان» أن البودكاست في الإمارات أصبح أداة قوية تسهم في إثراء معارف الناس وتثقيفهم بشكل غير تقليدي، مشيرة إلى أن ما يميز البودكاست هو قدرته على تقديم محتوى غني ومتخصص يتماشى مع اهتمامات المستمعين وتحدياتهم اليومية.
وأوضحت حمّود أن البودكاست ليس مجرد وسيلة لتمضية الوقت، بل هو فرصة حقيقية للتعلم والنمو الشخصي، لافتة إلى ميزة أخرى مهمة هي مرونة الاستماع للبودكاست والعودة إليه بما يتناسب مع الوقت والالتزامات.
وبذلك يتحول إلى فرصة لتوسيع الآفاق واكتساب ثقافة جديدة. وقالت: «في عالمنا اليوم حيث تتسارع الأحداث وتتراكم المعلومات من جميع الاتجاهات أصبح البودكاست إحدى الأدوات، التي يمكننا من خلالها الحصول على لحظات من الاسترخاء والتعلم في الوقت نفسه، خاصة عندما يتناول موضوعات تمس حياتنا اليومية، وتؤثر فيها بشكل مباشر، مثل الصحة النفسية، التطوير الشخصي، أو قضايا اجتماعية ومهنية واقتصادية وغيرها».
وأضافت: «في كل حلقة نجد أنفسنا أمام عالم من الأفكار والنقاشات التي تغطي شتى جوانب الحياة»، مؤكدة أن هذا التـنوع يتيح فرصة فريدة للتعرف إلى موضوعات قد لا يُخصص وقت للغوص فيها خلال الحياة اليومية، كما أنه يوفر محتوى عميقاً وبعيداً عن السطحية.
ولفتت إلى أن البودكاست أصبح مصدراً لا يقدر بثمن للمعلومات القيمة؛ فمثلاً قد يعاني العديد من المستمعين بسبب ضغوط العمل أو تحديات العلاقات.
ورأت أن الاستفادة القصوى من البودكاست تتطلب استماعاً نشطاً، بمعنى أنه يمكن للمستمعين أن يستفيدوا بشكل أكبر إذا شاركوا ما تعلموه أو طبقوه في حياتهم اليومية، منوهة بأن التفاعل مع صناع المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي يعزز الفائدة، ويجعل التجربة أكثر تفاعلية، وأن البودكاست ليس مجرد وسيلة للاستماع، بل هو أداة قوية لإثراء المعارف، وزيادة الوعي بما يحدث في العالم.
قيمة تثقيفية
من جانبه، أوضح البودكاستر والمصور حكمت وهبي أن المحتويات الطويلة بطبيعتها تتسم بأنها هادئة وهادفة، وأنها تتناول قصص الضيوف وخبراتهم، مؤكداً أن هذه المواصفات تمنح البودكاست القدرة على التغيير من الناحية التثقيفية.
وأشار إلى أن فعاليات دبي ومبادراتها عززت صناعة البودكاست على مستوى العالم. ولفت وهبي إلى أن إمكانية تجزئة المحتوى الطويل إلى مقاطع قصيرة تتيح فرصة الانتشار بصورة أكبر عبر منصات التواصل الاجتماعي بفعل ما تكتسبه المحتويات القصيرة من جاذبية لدى الجمهور، مبيناً أن البودكاست استطاع أن يمزج بين القيمة التثقيفية والمتعة الترفيهية.
وقال إن ما يميز برامج البودكاست المصداقية الكبيرة التي ترجع إلى أسباب، أهمها أن مُعِدّ المحتوى شخص عادي غالباً، وأن المحتوى نفسه تم إعداده بطريقة عفوية تخلو من أي سياسات معينة أو إعلانات مدفوعة.
مشيراً إلى أن ما تقدمه برامج البودكاست يكون مشابهاً جداً لطبيعة المتلقي وميوله، وأن هذا هو التحول الحقيقي الذي أكسب تلك النوعية من المحتويات رواجاً شعبياً.
وأكد أن ثمة عوامل مهمة ينبغي توافرها في برامج البودكاست حتى تحقق الاستفادة القصوى لدى المتلقي، وأنه لا بد من ابتعادها عن الأسئلة المركبة والمتصنعة للحفاظ على الحوار الطبيعي، الذي يناقش تجارب واقعية وأفكاراً شخصية، لافتاً إلى أن البودكاست الجيد هو الذي يشبه جلسة ودية في البيت، ولا يحمل صفات برامج التلفزيون.
ودعا إلى ضرورة التركيز على عدم تحويل البودكاست إلى منتج أو صنعة لكيلا يفقد مصداقيته، التي ميزته ودعمت انطلاقته القوية، موضحاً أن تأثير البودكاست تأكَّد بظهور شخصيات بارزة في بعض برامجه؛ إذ زادت فرص شهرتهم من خلاله أكثر مما كانت عليه أثناء ظهورهم على شاشات القنوات التلفزيونية المختلفة.