بأصوات الأكثريّة في مجلس النوّاب اللبناني، اعتلى رئيس محكمة العدل الدوليّة في لاهاي، القاضي نوّاف سلام أمس، سدّة رئاسة الحكومة تكليفاً، متسلّماً راية التأليف.

وكانت الاستشارات النيابيّة المُلزمة التي أجراها الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون انتهت بإعلان تكليف القاضي سلام بأكثريّة مطلقة، لتبدأ مرحلة التأليف التي لن تكون سهلة، ذلك أنّه، واعتباراً من أمس، يواجه رئيس الوزراء المكلّف تحدّي صياغة حكومة إنقاذ وطني تتجاوز، بتركيبتها وبرنامجها، الاصطفافات السابقة، لتلامس التحديات المصيريّة التي تواجه اللبنانيين، في حاضرهم كما في مستقبلهم.

وبدأ سلام رحلة «الألف ميل» بخطوة أولى، معلوم كيف بدأت من قصر بعبدا، لكنْ لا يُعرف إنْ كانت ستنتهي به في السراي الكبير. وهكذا انطلق مسار الخطوات الإجرائية الأولى للعهد الجديد بسرعة قياسية، بعد 5 أيام فقط من انتخاب جوزيف عون وشروعه في ممارسة مهمّاته الرئاسية.

أما اللبنانيّون، فعاينوا توافد جميع النواب، كتلاً ومستقلين، على القصر الجمهوري في بعبدا لتسمية مرشحيهم للتكليف بتأليف أولى حكومات العهد الجديد، بعد طول تغييب للرئاسة الأولى في حقبة الفراغ الطويل الذي سبق انتخاب عون، والذي جعل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي تستهلك مدّة قياسيّة في السلطة منذ 2022.

واختلفت «معركة» التكليف عن المعركة الرئاسيّة، لجهة غياب مؤشرات أيّ موقف خارجي بشأن تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وانحصرت بميقاتي وسلام، على وقع قرار كتل المعارضة ترشيح الأخير، وتصاعد أصوات نيابية لمعارضين و«تغييريّين» ومستقلّين بضرورة «إسقاط» ميقاتي، كرمز من الحقبة الماضية.

وبرزت اتجاهات أخرى منادية بتكليف القاضي سلام، رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي منذ فبراير 2024، وثاني عربي يترأس هذه المحكمة منذ إنشائها عام 1945، كعنوان متقدّم للتغيير الإصلاحي، كونه لا ينتمي إلى الطبقة السياسية التقليدية.

وإذا كانت المكوّنات السياسية قد تقاطعت في مواقفها الداعمة للعهد، فإنّ الاختبار الأول لصدقيتها تجلّى في الاستحقاق الحكومي، الذي أطلق عون المسار القانوني لإتمامه، أمس. ووفق معلومات لـ«البيان»، فإنّ التوجّه الرئاسي صارم لجهة أن يلي تكليف رئيس الحكومة، بعد الاستشارات الملزِمة أمس، تشكيل الحكومة بوتيرة سريعة، خلافاً للحالات المشابهة في السابق التي كانت تطول فيها فترات التأليف في ظل التناقضات والاشتراطات.

ويتردّد أن التوجّه الغالب هو تشكيل حكومة من 24 وزيراً. أمّا شكلها، فسواء أكانت سياسية مطعّمة بتكنوقراط، أو من لون معيّن، فسيعبّر عن شراكة مختلف المكونات فيها، على أن يحاكي بيانها الوزاري الوضع الداخلي، ربطاً بتطوراته في شتى المجالات، والمستجدّات الإقليمية والتحديات على لبنان، وسيلاقي في جزء كبير من مضمونه ما أعلنه عون وتعهّد به، ويكمّله في تحديد المسار والآليات التنفيذية لمندرجات خطاب القسم.