ألقى تسليم الجيش الفرنسي، أمس، آخر قاعدة عسكرية له في تشاد إلى الجيش التشادي، الضوء على فقدان باريس لنفوذ تاريخي كانت تتمتع به في القارة الأفريقية، حيث يواصل وجودها هناك النزيف.

وكانت تشاد الواقعة في وسط أفريقيا قد أنهت بشكل مفاجئ تعاونها العسكري مع مستعمرها السابق، وبدأ الجنود الفرنسيون مغادرة هذا البلد في أواخر ديسمبر.

ونقلت وكالة فرانس برس، عن رئاسة أركان الجيش التشادي، قولها في بيان صدر عشية حفل رسمي يجري بهذه المناسبة: إن «تسليم قاعدة أديج كوسي في نجامينا تضع حداً نهائياً للوجود الفرنسي في تشاد، طبقاً لإرادة السلطات العليا» في نجامينا.

وفي باريس، قال متحدث باسم رئاسة أركان القوات المسلحة الفرنسية: «إنه تم تسليم معسكر كوسي للجيش التشادي».

وانسحبت القوات الفرنسية من قاعدة فايا لارجو بشمال تشاد في 26 ديسمبر، ومن قاعدة ثانية في أبيشي في 11 يناير.

وأعلنت السلطات التشادية خلال مراسم التسليم في أبيشي، أن الانسحاب من تشاد «غير قابل للتفاوض».

واعتبر الرئيس التشادي، محمد إدريس ديبي إتنو، الذي يتولى السلطة منذ 2021، أن الاتفاقات العسكرية مع فرنسا «عفا عليها الزمن» بالنظر إلى «الحقائق السياسية والجيوستراتيجية الحالية». وتمركز جنود وطائرات مقاتلة من فرنسا في تشاد بشكل شبه متواصل منذ استقلال هذا البلد في 1960 للمساعدة في تدريب الجيش التشادي.

4 مستعمرات

وخلال عامي 2022 و2023، طلبت أربع مستعمرات فرنسية سابقة أخرى، هي: النيجر ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، من باريس سحب جيشها من أراضيها، وتقاربت تلك الدول مع روسيا.

وكانت تشاد، إحدى أفقر دول العالم، آخر نقطة ارتكاز لفرنسا في منطقة الساحل، حيث نشرت باريس في هذا البلد ما يصل إلى 5000 عسكري في إطار عملية برخان لمكافحة الإرهاب، والتي انتهت في أواخر نوفمبر 2022.

وتجري السنغال مفاوضات بشأن انسحاب القوات الفرنسية بحلول نهاية 2025. وفي الوقت نفسه، يتم تقليص التواجد العسكري لباريس في ساحل العاج والغابون، بما يتماشى مع خطة لإعادة هيكلة الوجود الفرنسي في غرب ووسط أفريقيا.

ويجري تطوير قاعدة فرنسية في جيبوتي تستقبل 1500 جندي، كنقطة انطلاق لمهام مستقبلية في أفريقيا بعد الانسحاب القسري من منطقة الساحل.

انتهاك للسيادة

وأشارت دراسة استطلاعية للحركة الدولية «لنقلب الصفحة» بالشراكة مع مركز الأبحاث الدولية للعلوم السياسية بباريس، إلى أن رفض وجود القواعد الفرنسية الدائمة لسبب ما، يرى المستطلعون أنه «انتهاك للسيادة بسبب الامتيازات الممنوحة للقوات المتمركزة هناك».

ووفق الدراسة، فإن انسحاب القوات الفرنسية من مالي و بوركينا فاسو والنيجر والمظاهرات ضد التواجد الفرنسي في الساحل الأفريقي والسنغال أو تشاد، تشير إلى أن العلاقات بين فرنسا وأفريقيا وصلت إلى نقطة القطيعة. ونقلت عن نشطاء في عدد من الدول الأفريقية قولهم: «إن القطيعة مع فرنسا باتت عميقة».

وصرح أحد المشاركين في الاستطلاع من تشاد، بأنه ليس هناك أي شعور معاد لفرنسا، بل لسياستها في أفريقيا.

وأظهرت الدراسة أن التدخل الفرنسي في الساحل فشل فشلاً ذريعاً، ولم يساهم في حل النزاعات بل «أدى إلى تفاقم الوضع الأمني».