بكثير من الدموع والألم، يشيّع الفلسطينيون عام 2024، تماماً كما شيعوا ما يزيد على 45 ألفاً من ضحاياهم، بعد أن شهد هذا العام أشد الحروب فتكاً وتدميراً، وكل ما تخللها وتفرع عنها من مجاعة مميتة، وضياع أحلام وطموحات وأمنيات، طواها العام الأصعب في حياة الغزيين.

عاش أهل غزة المعاناة أشكالاً وألواناً، ومن المؤكد أنهم سيحتاجون إلى مزيد من الوقت، كي ينقشع ضباب العام الجديد، وتتضح الرؤية لملامحه، لكن طالما استمرت الحرب، فلن يكون عامهم القادم أكثر ليناً من سابقه. فقد ارتكبت إسرائيل 9,973 مجزرة، وأبادت إسرائيل 1413 عائلة فلسطينية، ومسحتها من السجل المدني، كما أن عدد الضحايا ارتفع إلى 56,714 قتيلاً ومفقوداً، و108 آلاف و338 مصاباً و 238 طفلاً رضيعاً وُلِدوا وقتلوا في أسبوعهم الأول خلال الحرب، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 1696، منهم 726 عسكرياً، بينما أصيب 18443، بينما بلغت خسائر إسرائيل الاقتصادية بفعل الحرب، نحو 40.5 مليار دولار.

يطوي عام 2024 خيامه، تاركاً وراءه أحداثاً تراجيدية ومأساوية، فتكت بعشرات الآلاف من الغزيين، بفعل الحرب الدامية، يترقب الفلسطينيون ما ستحمله التطورات السياسية والميدانية في العام الجديد، بطموح أن يحمل لهم بالدرجة الأولى وقف الحرب، والأمور الأخرى تأتي لاحقاً.

ويودع الفلسطينيون في غزة على وجه الخصوص، عاماً مثقلاً بالدماء والدمار، ارتكبت فيه أبشع المجازر وأفظعها، وأحال كل مقومات حياتهم إلى حطام ورماد، وسط مخاوف من أن يكون العام المقبل أشد قسوة وإيلاماً، ما لم تترجم وعود الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، بمستقبل أفضل بعد وقف الحرب، وسيظل الترقب للتعرف إلى المستجد من المواقف والتطورات، هو سيد الموقف، حتى انبلاج فجر العام الجديد.

أرقام مخيفة

ونشرت وكالة الأنباء الفلسطينية تحديثاً لأهم إحصاءات حرب غزة، فقد قتل الجيش الاسرائيلي 1,413 عائلة فلسطينية، ومسحها من السجل المدني، وفقاً للمركز الفلسطيني للإعلام. وعدد ضحايا الإبادة الجماعية ارتفع إلى 56,714 قتيلاً ومفقوداً. و108 آلاف و338 مصاباً بإعاقات دائمة.

وأشار إلى أنّ 45,514 قتيلاً ممن وصلوا إلى المستشفيات، وفقاً لأرقام وزارة الصحة، فيما بلغ عدد الأطفال القتلى 17,818 طفلاً.

ووفقاً للمركز الفلسطيني للإعلام، فإنّ 238 طفلاً رضيعاً وُلِدوا وقتلوا خلال أسبوعهم الأول، فيما قتل 853 طفلًا خلال الحرب وعمرهم أقل من عام.

وارتكب الجيش الإسرائيلي 9,973 مجزرة، ارتكبها جيش الاحتلال بشكل عام، كما أن 3,467 عائلة فلسطينية قتلت، ولم يتبقَّ منها سوى فرد واحد، وعدد أفراد هذه العائلات 7,941 قتيلاً. 12,287 من النساء، قتلن من قبل الجيش الإسرائيلي، و201 قتيل من الصحافيين، و1068 قتيلاً من الطواقم الطبية، و70% من الضَّحايا هم من الأطفال والنساء. وتم تدمير ما يزيد على 150000 وحدة ومنشأة سكنية، وزاد عدد النازحين عن المليون ونصف المليون نازح.

حالة تشاؤم

وتسيطر أجواء التشاؤم على توقعات النازحين في غزة، التي تطحنها آلة الحرب منذ 15 شهراً، فالقلق من القادم يتسيد المشهد، لا سيما أن احتمالات فشل مساعي وقف الحرب ما زالت قائمة، فيما المجازر مستمرة، والمجاعة مستشرية، حيث قالت المنظمة الإغاثة الدولية «أوكسفام»، إن 90 في المئة من سكان غزة، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة، يواجهون الجوع الشديد.

ضباب سياسي

من الوجهة السياسية، اعتاد الفلسطينيون طوال عام 2024، سماع التصريحات المختلفة حيال صفقة محتملة تنهي الحرب، وتوالت اللقاءات والاتصالات السياسية تترى، لكن دون اتخاذ موقف جاد، يفضي إلى وقف مسلسل القتل والدمار، وتعثرت كل جولات مفاوضات التهدئة، ومساعي الحل السياسي التي جالت عدة عواصم. فمن القاهرة إلى الدوحة، مروراً بعمّان وعواصم عالمية أخرى، تتقدمها واشنطن، قيلت شعارات، وصدرت نداءات عدة عن وقف الحرب، لكنها لم تجد من يسمعها، استمرت الجهود السياسية، توقفت، واستؤنفت في محطات كثيرة، لكنها ظلت بعيدة عن الهدف المنشود، ولم توقف الحرب. في هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، إن الضباب يلف العملية الدبلوماسية، منوهاً بأن عام 2024، شهد العديد من المبادرات السياسية، لكن لم نصل إلى الحل، حتى بعد إزالة كل العقبات الرئيسة، وسد الفجوات، مضيفاً: «ظل سؤال متى تنتهي الحرب هو الأصعب، ومن المرجح أنها لن تنتهي حتى تصل إسرائيل إلى قناعة بأن استمرار الحرب سيلحق بها الضرر أكثر من الفوائد».

تصدير الحرب

لم يكن حال الفلسطينيين في غزة سعيداً خلال عام 2024، ولا يبدو على الإطلاق أنهم سيتخطون عتبات مشقة وتعاسة جديدة تحملها لهم الحرب إلى العام الجديد، فالمؤشرات التي تتوارى خلف دخان الحرب ونيران المدافع وصيحات الضحايا، ربما تكون الأسوأ في تاريخهم.

ووفق مراقبين، فمن غير المرجح الانتقال إلى مرحلة مختلفة، و«غزة جديدة» في عام 2025، وتنفيذ التسوية، لأن إسرائيل لن تقبل بأن يكون لحركة حماس أي وجود في قطاع غزة، وهذا ما يتطلب الاستمرار في الحرب إلى حين.

ومع ارتفاع منسوب سقوط الضحايا، الذي تخطى حاجز الـ 45 ألفاً، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمفقودين والمشردين، والتخوف من الوصول إلى أرقام أعلى وأعداد أكثر، والانشغال فقط بضبط عداد الأضرار، فإن القراءة الأولية مع أفول العام الأصعب في تاريخ الغزيين، توحي بما لا يحمل معه أي تفاؤل على الإطلاق.

إذ وفق الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، عماد أبو عواد، لا تؤشر تطورات المباحثات السياسية، بأكثر من التوصل إلى هدنة مؤقتة ثانية، تسمح بإطلاق سراح بعض الأسرى من الجانبين، وإدخال بعض المساعدات الإغاثية للسكان الجوعى في قطاع غزة، وأي خرق لها سيواجه بقصف وهجمات إسرائيلية أكثر قسوة.

أهداف سياسية

ويرجح مراقبون أن تعمل إسرائيل على تصدير الحرب إلى العام المقبل، فالأمر لا يتعلق بالتاريخ والجغرافيا، وإنما في الأهداف السياسية، وعلى مدار عام كامل، ظلت قدرة الأطراف الراعية للعملية الدبلوماسية، في التأثير في إسرائيل دون المطلوب، ولم يعد في وسعها سوى مواصلة الجهود والاتصالات السياسية، عل وعسى أن تثمر.

وتبقى الأعوام في تاريخ الفلسطينيين مجرد أرقام صمّاء، تتدحرج وتتغير، لكن تبقى قضيتهم العنصر الثابت والوحيد، وعليه، سيظل هاجس الغزيين، كيف سيكون عام 2025؟ وهل سيظل وقف الحرب مطلباً بعيد المنال؟ وهذا ما يستوجب عليهم الانتظار والتروي، حتى يرحل عام العسرة، وينبلج فجر العام الجديد، ويبوح بكامل أسراره.

تدمير

دمرت الحرب عشرات آلاف المنازل والأبراج السكنية، وأصبح العثور على مستقر أو مكان آمن ضرباً من المستحيل، وحتى المدارس والمشافي، التي تحولت إلى ملاذات للنازحين الفارين من جحيم الحرب، لم تسلم من القصف والدمار.

وفيما يطل عام 2025 على العالم بتطلعات وأمنيات مختلفة، فكل ما يأمله أبناء غزة، عام يخلو من هدير الطائرات وأصوات القذائف وانفجارات الصواريخ، ووضع حد لمشاهد القتل والدمار، وتشييع الضحايا.

مجاعة

«توقعنا كل شيء في الحرب، لكن أن نموت من الجوع، فهذا لم يكن في حساباتنا، فحتى في نكبة عام 1948، كانت المنظمات الدولية تمد اللاجئين بالطعام والشراب»، قالت النازحة من بلدة بيت لاهيا، كفاية الشافعي، مبينة أن أصعب لحظات حياتها في الحرب، شعورها بالعجز أمام صيحات أطفالها الذين كانوا يتضورون جوعاً.

وتابعت لـ «البيان»: «هل يعقل ونحن على أعتاب عام 2025، أن نعتاش على خشاش الأرض؟.. وأن يكون بيننا في قطاع غزة من يموتون من الجوع؟.. الناس هنا أوشكت على الهلاك، وأطفالنا يلحون علينا بطلب الطعام، وما باليد حيلة»!

الحشائش ومياه البحر

«الحرب دمرت كل شيء، ولم تفرق بين طفل أو رجل أو مسن، وعام 2024 كان الأصعب في حياتنا، الكل هنا يبحث عن كسرة خبز أو شربة ماء ولا يجدها، ونعاني من غياب الأمان ليلاً ونهاراً، ولا ندري ماذا يخبئ لنا العام الجديد، أتمنى أن يحمل معه وقف الحرب، وبعدها كل شيء يهون»، قال النازح من مخيم جباليا عمر الدباغ، كاشفاً عن مشاهد وقصص صادمة، عاشها مع عائلته على مدار العام الآفل.

ويوالي لـ «البيان»: «كان عاماً كارثياً، بكل ما للكلمة من معانٍ وتفاصيل، لم نحصل فيه على حقوقنا الأساسية في الحياة، عشنا على الحشائش وطعام الحيوانات، وشربنا مياه البحر، وودعنا الأهل والأحبة والأصدقاء، الذين قضوا بنيران الحرب.. كان عاماً مليئاً بالحسرة والألم».

وغير بعيد، قال النازح من المخيم ذاته ضاهر النجار، إنه اضطر لبيع كل ممتلكاته في سبيل توفير الطعام لأطفاله وعائلته، كاشفاً عن قصص مفزعة، لأطفال رصدهم بأم عينه، وهم ينبشون النفايات، في سبيل العثور على بقايا طعام، يبقيهم على قيد الحياة.

ويضيف لـ «البيان»: «لم نكن نتوقع حتى في أسوأ الكوابيس، أن تصل الأمور بنا إلى هذا الحد، هناك من أحرقوا كتبهم وأثاث بيوتهم للحصول على الدفء، أو إعداد الطعام على النار، في ظل نقص الوقود، وهناك أطفال قضوا جوعاً أو من شدة البرد.. مواجهة الجوع أشد وأقسى من الدبابات والطائرات الحربية».

رحلة الشتاء والصيف

عاش أهل غزة، مرارة النزوح والتشريد في الأجواء الحارة والملتهبة، وتعاقبت عليهم الأيام، حتى أدركهم الشتاء ببرده وأمطاره، هي رحلة نزوح ومعاناة في كل الفصول، انطلق قطارها، ولم يتوقف.

«نزحنا 12 مرة، خلال عام 2024، بمعدل مرة كل شهر، وهذا لم يجرِ للفلسطينيين حتى في نكبة عام 1948، التشريد والتنقل من مكان إلى آخر، ضاعف معاناتنا»، هكذا لخصت النازحة منى حويطات من بلدة بيت حانون، مبينة أن النزوح المتكرر، كان من أصعب فصول الحرب.

وتروي لـ «البيان»: «جمعنا ما تيسر من أغراضنا في ديسمبر الماضي، ونزحنا باتجاه جنوبي غزة، كنا نسير عبر الطرق المتعرجة والوعرة، والقذائف تنهمر علينا، أمامنا وخلفنا، ولم نعش مثل هذه الأجواء من قبل، واعتقدنا أنها المرة الأولى والأخيرة، لكننا عشنا هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر مراراً، صيفاً وشتاء، وكان لزاماً علينا أن نحفظ حياة أطفالنا، حتى لو كلفنا الأمر النزوح كل يوم».

اغتالت إسرائيل خلال عام 2024، ثلاثة من أبرز قيادات حركة حماس، وهم صالح العاروري في 2 يناير، في الضاحية الجنوبية في بيروت، وإسماعيل هنية في 31 يوليو في طهران، ويحيى السنوار في 16 أكتوبر في قطاع غزة.

خسائر

وحسب المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أشرف القدرة، فهذه الإحصاءات تتغير على مدار الساعة، إذ كل دقيقة تمر على قطاع غزة مع استمرار الحرب، تحمل معها ضحايا جدداً.

أما في الجانب الإسرائيلي، فبلغ عدد القتلى 1696، منهم 726 عسكرياً، بينما أصيب 18443، بينما بلغت خسائر إسرائيل الاقتصادية بفعل الحرب، نحو 40.5 مليار دولار.