من يرى مشاهد الدماء والأشلاء الناتجة عن القصف العنيف والعشوائي لخيام النازحين، التي لا يأوي إليها إلا الفارين من لهيب المقاتلات الحربية، يظن أن الحرب بدأت للتو، ففي قطاع غزة، الشوارع بدت ميتة، وغارقة في الدماء، والناجون يغالبون دموعهم وآلامهم، ولا شغل لهم سوى تشييع الضحايا، يقبضون على الجرح ويسيرون على جمر المحرقة، ويمضون إلى حين تسوية تردهم إلى منازلهم.
«إسرائيل حكمت علينا بالإعدام، تقصف خيامنا وأطفالنا نيام، وكأن الحرب قد بدأت اليوم» هكذا لخص جمعة حلاوة المشهد الدامي في مخيم جباليا، منوهاً إلى حصار مطبق يفرضه الجيش الإسرائيلي على أكثر من نصف مليون مواطن شمال غزة، منذ ما يقارب المائة يوم، تخللها مجازر انتقامية، أودت بحياة المئات، وأضعافهم من المصابين الذين لا مشفى لهم ولا علاج.
وأبان حلاوة لـ «البيان»: «هناك قرار خفي من الجيش الإسرائيلي بإعادة إنتاج الحرب، وتكرار ما جرى في أيامها الأولى، فالقصف الهستيري لا يتوقف، وأرقام الضحايا إلى ارتفاع، وكأن جيشهم لم يشبع من كل هذه الدماء والأشلاء، وأوجه ندائي إلى العالم.. أوقفوا هذا الدمار».
توسيع الحرب
وربما تهادى إلى مسامع الأهالي في شمال غزة، القرار الذي صدر أخيراً عن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، استعداده لتوسيع رقعة الحرب، من خلال الزج بالمزيد من القوات البرية، وتعزيز تحركاتها بالقصف الجوي، في إطار التحضير لعمل عسكري واسع، يمتد من بيت حانون إلى بيت لاهيا مروراً بمخيم جباليا، ويسبق تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 يناير الجاري.
يأتي ذلك، في ظل أرقام مذهلة للضحايا، قفزت عن الـ 45 ألفاً، لتطل على أهل غزة أخبار توسيع الحرب، التي لم تبق حجراً على حجر، وأحالت غزة كومة من الركام، إذ حسب مصادر عسكرية إسرائيلية، بدأت قوات مدرعة وهندسية، استعداداتها للعودة إلى غزة، في إطار ممارسة الضغط على حركة حماس، الرضوخ للشروط الإسرائيلية لوقف الحرب، وعلى رأسها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها.
وثمة مراقبين، رأوا في القرار الإسرائيلي حكماً بالإعدام على قطاع غزة، الذي تعرض لخسائر بشرية ومادية هائلة، وحملات تهجير ونزوح جماعي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حتى إبان نكبة العام 1948.
يقول الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، إنه في الوقت الذي اعتقد البعض أن الحرب وصلت إلى خط النهاية، فإن مخاطر نكبة جديدة تطل برأسها مع العام الجديد، مضيفاً: «كلما ارتفع منسوب التفاؤل بالتوصل إلى تسوية سياسية، يطل علينا نتانياهو بمناوراته التي تسمى «مفاوضات» لكنها لا ترمي إلا لكسب مزيد من الوقت، والاستمرار في الحرب على أمل تحقيق نصر حاسم».
بينما يرى الباحث السياسي خليل شاهين أن ما يمهد له من تصعيد مرعب في قطاع غزة، يزيد المخاوف من المخطط الإسرائيلي طرد سكان شمال غزة (بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا) تمهيداً لإقامة منطقة عازلة، تمنع عودتهم إليها حتى بعد الحرب، في تكريس لسياسة التهجير القسري.
كارثة
في قطاع غزة، تتنوع وسائل وفصول حرب الإبادة التي تسحق النازحين والمشردين، وعليه، فأي ارتفاع في وتيرة التصعيد، يعني المزيد من الخسائر البشرية، وانهيار كامل لكل مقومات الحياة، وهو ما يعني وضع غزة في أتون الكارثة الأصعب في تاريخ حروبها، ويفتح الباب على كوارث صحية، تنهش ما تبقى من الجسد الغزي.