لكل إنسان مزاجه الخاص فيما يحب وما لا يحب، فيما يفضل ولا يفضل، فيما يعتبره أولوية من كل الاحتياجات التي تحيط به وفيما ينظر إليه بعدم جدوى.. هذه واحدة من الحريات والخيارات التي يرتّبها كل واحد منا في ذهنه وسيرورة حياته بناء على ظروف وأسباب كثيرة ومتداخلة وأحياناً معقدة، إننا لا نكره شيئاً بالصدفة ولا نحب شيئاً بلا سبب أو دافع، لا نهرب من واقعنا بمزاجنا، ولا نبني عوالمنا الذهنية بمزاجنا كذلك، هناك دائماً أسباب لكل شيء!

هذه الأسباب تشبه جذور شجرة معمرة تتمدد في داخلنا، أشبه بشبكة أنفاق تحت الأرض، تتغلغل فينا حتى آخر خلية عصبية في جهازنا العصبي، وعندما يحدث شيء طارئ أو عابر قد لا يحرك أحداً، بينما تستنفر أعصابنا دفعة واحدة، فإن لذلك مبرراً إذا تقصينا خيوطه، وتتبعناه حتى آخره، فقد يقودنا لموقف في طفولتنا تعرضنا فيه للقسوة أو الاعتداء أو السخرية أو عكس ذلك كله.

إن للتربية كما لذاكرة الطفولة نصيب الأسد في تفسير معظم ما نحمله ونتبناه من تركة نفسية وأخلاقية وسلوكية.

أحياناً تجد نفسك داخل معركة تقول كل المؤشرات إنها خاسرة بالنسبة لك، وإنه لا يجب أن تدخلها، لكنك تتورط وتدخل المعركة بقلب قوي، وتقوم بما يفرضه عليك الموقف، بعيداً عن النتيجة، ذلك أن النتيجة ليست هي دافعك في الأساس، لأنك لست بصدد لعبة قمار أو صفقة استثمار، إنك في موقف أخلاقي قررت فيه أن تقف إلى جانب مبدأ تؤمن به، لأن الظلم أحد أكثر التصرفات الباطلة التي تمقتها، والناس من حولنا لا يفكرون كثيراً وهم يشعلون حروبهم ويجاهرون بجهلهم.

سيصيبك الأذى بلا شك، لكن الإيمان له تبعات، والمطلوب منك إذا آمنت بالعدالة أن تنحاز إليها بصدق، وقد وضعت مواقع التواصل الجميع في مرمى الاستهداف: الأشخاص، والقيم، والمدن والأدب والرموز الإنسانية، حتى أنت وإنسانيتك كذلك، فلا تزن الأمور بميزان الشخصنة الضيق، لأنك لو فعلت ستقع في الانحياز، والانحياز لا عدالة ولا قيمة له وفيه أبداً.