المرض واحد من أكثر التجارب القاسية التي قد يمر بها الإنسان في حياته. ففي لحظة مفاجئة للمريض ولمن حوله، يجد الإنسان نفسه عالقاً في مواجهة غير متكافئة وغير عادلة ربما، مع جسده الذي يعاني، وأحياناً مع فكرة الموت التي تلوح في الأفق. لكن مع هذا الظرف الصعب، قد يفتح لنا المرض نوافذ ويقدم دروساً غير متوقعة يتيحها لنا الصمت والعجز والوحدة التي تخيم على غرف المرضى عادة.

تعيد هذه الدروس تشكيل فهمنا للحياة، وأولوياتنا، وحتى علاقاتنا بالآخرين. حينما يقف الإنسان في مواجهة المرض، فإن الواقع يفرض نفسه بقوة، ويجعلنا نتأمل في عمق القيمة: قيمة الحياة، وطريقة عيشها، وكيفية تمضية الوقت، واختيار الأشخاص الذين نقضي الحياة بصحبتهم، والكيفية التي نربط بها أنفسنا بالعالم من حولنا، كما نعيد التفكير في كيفية إنفاق الأوقات والأموال وكل شيء.

يفتح المرض عيوننا على قيمة الحياة، لأننا نعتاد في الأيام العادية أن نأخذ بالتعامل مع الأشياء وكأنها أمور مسلم بها، ستبقى كنعم ثابتة غير قابلة للنفاد أو الاختفاء، كالصحة، القدرة على الحركة، القدرة على التنفس بسهولة. المشي، الكلام.. وبمجرد أن يهبط طارئ المرض من حيث لا ندري تصبح هذه النعم أمراً بعيد المنال، أو يصبح الحصول عليها أمراً صعباً ومعقداً.

تصبح الحياة ثمينة أكثر عندما نواجه احتمالية فقدانها، أو تعرضنا لمخاطر تعيق تمتعنا بها. إن هذه البصيرة التي ينيرها المرض وهذا الوعي، يقود الكثيرين لتقدير لحظات الحياة البسيطة أكثر من أي وقت مضى، ويدفعهم لتوجيه انتباههم نحو ما يهم فعلاً: الصحة، الحب، والفرص التي تتيح لهم عيش حياة ذات معنى.

ويجعلنا المرض نعيد التفكير في القيم الشخصية والأولويات، لأن الوقت البطيء الخالي من الانشغالات تماماً تحت وطأة الوحدة والهدوء تجبر الإنسان على التوقف والتفكير بشكل عميق في حياته وأولوياته. وفي بعض الأحيان، نجد أن الكثير من الاهتمامات التي كنا نعتقد أنها أساسية ليست كذلك بالفعل.

يدفع المرض الإنسان إلى إعادة ترتيب أولوياته وتقديرها، فهناك ما هو أهم، وهناك من هم أجدر بحسن الصحبة والعناية، وهناك ما هو أكثر أهمية من الطموحات والصراعات والتفاهات المادية أو المهنية.