من الأمور العجيبة في الرياضيات، معادلة المتوسط الحسابي (average)، فهو عبارة عن رقم يمثل النقطة المركزية لمجموعة من البيانات. ورغم أنه مجرد رقم، إلا أنه يحل مشكلة الحيرة في اتخاذ القرارات.. فعندما يستمع الفرد لآراء ثلاثة أشخاص، يمكنه أن يأخذ المتوسط، وهو ما يوفر صورة عامة أكثر توازناً.. والأمر نفسه ينطبق على تقييم العقارات، عندما نأخذ رأي مُقيّم خارجي، قد نميل إلى استخدام المتوسط بين تقييمين مختلفين، غير أن البائع قد يختار تجاهل المعدل، ويعرض العقار بأعلى تقييم ممكن، بينما يميل المشتري نحو السعر الأدنى.. وهذه هي لعبة الأرقام.
غير أنه لا قيمة للمعدل إذا كانت الآراء غير موضوعية، أو تستند إلى معلومات خاطئة.. فحينما يفتي ثلاثة أشخاص في مسألة طبية، بناءً على قاعدة اسأل مجرب ولا تسأل طبيباً، تكون العواقب وخيمة على السائل.. أما إذا أخذنا رأي طبيبين وخبير مجرب، أو ثلاثة أطباء، فإن وجاهة الرأي ترتفع، بفضل المصادر الموثوقة، لذلك نقع في كثير من الأخطاء، لأننا لا ننتقي بعناية من نستشير.
وحتى في العلاقات الاجتماعية، يتدخل المعدل الحسابي ليتنبأ بمستقبلنا! ولهذا قال المحاضر التحفيزي المتألق جيم رون: سوف تصبح معدل خمسة أشخاص ممن تقضي معهم معظم أوقاتك.. وهذا يجعلنا ندرك أهمية إحاطة أنفسنا بالمتميزين، إذا كنا نسعى لعلو الهمة، والتقدم في ميادين الحياة.
درسنا في علم الإحصاء ثلاثة أنواع للمعدلات، منها المتوسط الحسابي (Mean)، أو (Average) المذكور آنفاً، وما يسمى بالوسيط أي «Median»، وهو القيمة التي تتوسط باقي الأرقام، بعد استبعاد الأعداد أو الآراء الشاذة.
على سبيل المثال، حينما يقترح شخص متسرع على آخر أن يقدم استقالته المسببة فوراً، دون معرفة تفاصيل المشكلة، أو يقترح آخر مواجهة مديره بملاسنة علنية يسمعها الجميع، تكون هذه آراء شاذة أو مبالغ فيها.. في هذه الحالة، قد يميل الفرد إلى اختيار الرأي الوسيط (العقلاني) لتقليل الأضرار، مثل التحدث مع المسؤول المباشر، أو التريث قبل اتخاذ قرار جذري.. والأمر نفسه يحدث في لغة الأرقام، فعندما تكون نتائج استقصاء آراء الزبائن حول جودة منتج معين، تتراوح بين 10 و12 و14 و16، ثم نجد تقييماً مثل 2 أو 70، تتيح لنا الرياضيات استبعاد هذه الأرقام الشاذة في بعض الأحيان، لأنها لا تعبر عن الاتجاه العام لبقية التقييمات، ما يساعد في الوصول إلى تحليل أكثر دقة.
ويستخدم أيضاً المتوسط الوزني (Weighted Average)، عند اتخاذ قرارات معقدة، مثل أن يُمنح شخص صاحب تجربة عميقة في مجال محدد، وزناً أكبر لرأيه، ووزناً أقل لرأي آخر حكيم لكن تنقصه التجربة، كنسبة 80 في المئة إلى 20 وهكذا. وعند اتخاذ القرارات التي تسند على أكثر من عنصر، مثل المفاضلة بين السيارات التي سوف نشتريها من ناحية السعر، والجودة، والأمان، والراحة، والتصميم، وقيمة إعادة البيع، نقوم هنا بمنح وزن أكبر للعناصر الأكثر أهمية (مثل السعر بنسبة 40 %)، ووزناً أقل للأقل أهمية (مثل التصميم بنسبة 10 %). نقيم كل عنصر على مقياس من 10، ثم نضرب التقييم في الوزن النسبي لكل عنصر.
على سبيل المثال، إذا كان عنصر السعر هو الأهم (وزنه 40 %)، وقيمنا السيارة 8 من 10، فإن النتيجة: 8×0.40=3.2 نقطة.. ثم نجري الطريقة الحسابية نفسها لجميع العناصر، ونختار السيارة ذات الرقم الإجمالي الأعلى.
ما سبق، يبين لنا قوة الأرقام في مساعدتنا على اتخاذ قرارات حصيفة. إنها محاولة لتحويل المعلومات التي تصلنا إلى طريقة رقمية عقلانية، تقربنا من القرار الأكثر منطقية، بعيداً عن التهور والتطرف والآراء الشاذة.