تستقبل البشرية اليوم الأربعاء العام الجديد وسط شكوك جدية من انفجار الأوضاع في أكثر من منطقة، وفي ضوء تمادي المنابر السياسية والإعلامية الغربية في دق طبول الحرب وتأجيج الحريق الذي لو يستفحل فإنه سيأتي على الأخضر واليابس.

وللأسف فإن الأصوات الحكيمة التي تدعو إلى السلام والأمن، وتسعى إلى وضع أسس تعاون دولي يقوم على الشراكة، ويضمن مصالح الأمم والشعوب، أصبحت «خجولة» وغير مسموعة وخافتة في أغلب الأحيان.

ويبدو أن أمل الأمم والشعوب في حياة أفضل وخالية من الحروب والنزاعات، والذي فرض نفسه كضرورة قصوى لاستمرار وجود البشرية، بعد حربين كونيتين مدمرتين، أضحى هو الآخر ضعيفاً أمام موجات العنف والعدوانية والرغبة في الوصول إلى السلطة بأي طريقة كانت، حتى وإن جانبت الأخلاق والحس السليم.

وإن ما ميز العام 2024 السابق وطبع كامل العشرية السابقة هو اشتداد خطاب وسلوكيات العنف واحتداد التناقضات ومصالح الدول، وقد غذى ذلك وجود نزاعات قائمة وقديمة في أوروبا كالحرب الروسية الأوكرانية وفي الشرق الأوسط الذي تتصدره القضية الفلسطينية، وساهم أيضاً في تأجيج الأوضاع التضارب في المصالح الاقتصادية للدول، وخصوصاً بين أمريكا وأوروبا، وكذلك، وبالأساس القوة الاقتصادية الصينية الصاعدة، وبين الصين وباقي الدول الغربية من ناحية ثانية، ومعلوم أن التناقضات الاقتصادية هي في الغالب التي «تصنع» الحروب لتبقى هذه الحروب كما قيل «مواصلة للسياسة بوسائل أخرى».

وقد يكون العام 2025 حاملاً في طياته بوادر أمل في حسم مجمل التوترات، وقد يكون العام الجديد على العكس من ذلك شاهداً على تعقيد واستفحال كل هذه النزاعات.

وقد زاد الصعود المتنامي لليمين المتطرف في دول الغرب الليبرالي والمد القومي داخل هذه الدول وعديد الدول الأخرى، الطين بلة، ومن ذلك، وبالأخص عودة دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، اختارت ترامب، وهو اختيار كما جاء في صحيفة لوموند الفرنسية «عن سابق معرفة على عكس سنة 2016» وعودة ترامب هذه «لا تهدد (بحسب الصحيفة الفرنسية) أمريكا فحسب وإنما العالم أجمع، خصوصاً أوروبا التي من المرجح أن تسقط دولها في انقسامات واختلافات بسبب المصالح مع الجانب الآخر من الأطلسي وحسب شروط الرئيس الأمريكي المنتخب»، وبالطبع فإن هذه العوامل ستلقي بظلالها على مجمل القضايا الإقليمية والدولية الأخرى.

وإذا كان العام 2024 عاماً قاسياً على القضية الفلسطينية وعلى الأراضي المحتلة، فإن التفكك النسبي لـما يسمى بـ «محور المقاومة» في غزة ولبنان وتغير الوصاية الدولية على سوريا، ساهما في مزيد تعقيد الوضع في فلسطين المحتلة، وخلف وضعاً مأساوياً في غزة والضفة الغربية يراوح بين الدمار الشامل والإبادة.

وقد تكفي الإشارة إلى رقم 17 ألف طفل فلسطيني من سكان غزة انفصلوا عن عائلاتهم ومن بينهم أطفال فقدوا هويتهم وبات يطلق عليهم اسم «أطفال الأنقاض»، ليقف العالم على حجم الدمار الإنساني الذي لحق فلسطين والفلسطينيين، فضلاً عن الدمار السياسي الذي قد يشمل مشروع حل الدولتين والدمار الشامل الناجم عن سقوط نظام بشار الأسد، حيث تلوح في الأفق مؤشرات على التغييب القسري لملامح التنوع في المجتمع السوري بما يهدد وحدتها، وحيث تتواتر الأخبار عن أن الجيش الإسرائيلي يتقدم داخل الأراضي السورية وهو يحتل الآن وعلى طول 80 كيلومتراً من الحدود المشتركة عشرات القرى، ولا مناص من الاعتراف بأن وصول الحكام الجدد إلى السلطة في سوريا، يزعزع موازين القوى في المنطقة، ويترافق مع تقارير بأن تنظيم «داعش» يحاول إعادة تشكيل قواته، وقد يزداد الوضع سوءاً وتأزيماً مع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في 20 من هذا الشهر.

إن العام 2025 جاء على أنقاض سنة شهدت استفحال عودة الحرب إلى القارة الأوروبية من خلال بوابة الأزمة الأوكرانية الروسية وظهور بوادر جدية لرفع أمريكا يدها عن حماية أوروبا، والعام الجديد قد يضع لبنة أخرى في المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين، والتي قد تكون تايوان مسرحاً لها.

إن السلام والأمن بين المجتمعات والدول يبنى بالتعاون والشراكة والاتفاق والتنمية، وقد يكون من العبث البحث عن ديمومة الأمن والسلام بالحرب وبالدمار وتحت الأنقاض التي يخلفها القصف.