التعليم ليس مجرد حق أساسي كما اعتادت النصوص التقليدية على تعريفه وتقديمه، بل إنه محرك قوي للتقدم والاستدامة. ولضمان نجاح وازدهار كل فرد ومجتمع، فمن الضروري تزويده بإمكانية الوصول إلى الموارد التي يحتاجها للتطور والتقدم والنجاح.

وهنا لا بد من الاحتياط قليلاً، فهذا لا يعني تقديم فرص متطابقة أو متماثلة لكل متعلم. وفي هذه المقالة نتحدث عن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.

وهذا الهدف الرابع ينص على «ضمان التعليم الجيد العادل والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع». وهكذا فإننا نرى أن التعليم المنشود تعليم له 4 صفات: جيد وعادل وشامل ويعزز التعلم مدى الحياة.

يعلم العارفون بالترجمة أنه في كل ترجمة خسارة، وما خسرته الصياغة العربية للهدف الرابع هو كلمة Quality ومقابلها العربي الجودة، والترجمة الأدق من التعليم الجيد هي التعليم ذو الجودة. وما الفرق، ربما تسأل؟ أقول:

كل تعليم ذي جودة هو تعليم جيد، لكن ليس كل تعليم جيد تعليماً ذا جودة. أما بشأن التعليم العادل، فهو ذلك التعليم الذي يتناسب مع قدرات وميول واستعدادات المتعلم، وهذا شرط لا تحققه المساواة في التعليم.

لقد ظل التعليم طوال قرون ينظر إليه على أنه وظيفة يقوم بها المعلم، ولم ينتقل من طور الوظيفة إلى طور الخدمة إلا مع تطور مفهوم الجودة المقترن بمفاهيم الخدمة في الأدبيات الإدارية المعاصرة، ويستلزم التعليم ذو الجودة إطار عمل لا يشمل التميز، ولا أعني التميز الأكاديمي فحسب، بل التميز في كل فئات نشاطات التعليم قاطبة، بل يشمل أيضاً تزويد المتعلمين بمهارات وقدرات ومعارف لم تكن تخطر على بال القائمين على العملية التعليمية قبل عقد من الآن. وإنه دون التزام راسخ بالجودة، يخاطر التعليم بأن يصبح عملية آلية تكرارية مجردة من قوة التحول اللازمة للنهوض بمسؤوليات الاستدامة والتنمية المستدامة.

نصل إلى العدل، صفة التعليم الثانية المؤكد عليها في الهدف الرابع والمسكوت عنها في مناهج التعليم التقليدية، وهي الركيزة الحاسمة من ركائز التعليم المستدام. وبخلاف المساواة في توفير التعليم التي تفترض أن جميع المتعلمين لهم نفس القدرات والحاجات.

ينبغي أن يعترف التعليم المنشود بالاختلافات الفردية في الميول والاستعدادات والقدرات والطموحات، ثم عليه الاستجابة لهذه الاختلافات بكل ما أوتي من قدرات التكنولوجيا التي تتسارع تطوراتها تسارعاً لا أقول يومياً بل لحظياً.

وفي ضوء ما تقدم، يبدو جلياً أن المطلوب ليس توفير التعليم بالتساوي، بل بالعدل، ذلك لأن العدل يأخذ بالاعتبار الفروق بين المتعلمين، والمساواة لا تتطلب ذلك. ولتوضيح الفرق أقول: التعليم التقليدي يوفر التعليم بالتساوي، لكن التعليم الذكي يوفر التعليم بالعدل.

وغالباً ما تؤكد أنظمة التعليم التقليدية على المساواة في توفير التعليم، من خلال تقديم مناهج وطرق تدريس موحدة. ولا يختلف اثنان على أن هذا النمط لا يضمن نتائج موحدة، لا سيما أنه يتجاهل الفروق بين المتعلمين على اختلاف أنواعها.

في المقابل، تعطي أنظمة التعليم الذكية الأولوية لعدالة التعليم من خلال الاستفادة من التكنولوجيا وطرق التدريس المبتكرة لتقديم تجارب تعليمية مخصصة.

وماذا عن الشمول، الصفة الثالثة للتعليم المنشود، بمعنى الاحتواء لا الإقصاء؟ بهذا النموذج من التعليم المنشود، يغدو لزاماً احتواء الجميع من طلاب العلم والمعرفة، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية أوالخلفية الثقافية.

وتضمن منظومة التعليم الشامل أن كل فرد يمكنه المشاركة الكاملة والاستفادة من الفرص التعليمية. وهذا الشمول في التعليم ليس مجرد واجب أخلاقي أو وطني، بل هو شرط لازم وضروري لتحقيق التنمية المستدامة.

فأي مجتمع قادر على الوصول للتنمية المستدامة إذا كان يستبعد فئات أو مجموعات معينة، ما يعني خسارة هذا المجتمع إمكاناتهم الكاملة ومواهبهم ومساهماتهم ؟

وبشأن الصفة الرابعة للتعليم، فلقد أصبح التعلم مدى الحياة في غنى عن المبررات والدواعي، مع تسارع التطورات في شتى الاختصاصات العلمية والمهنية، فمن خلال هذه السمة يمكن للمتعلمين البقاء على اتصال وتواصل دائمين مع آخر الأبحاث وأحدث المستجدات في هذه التخصصات والنشاطات المهنية، ما يعني فرصاً أكثر وأكبر للتطور الشخصي والمهني على مختلف المستويات، وبذلك تتمكن المجتمعات من إرساء أسس متينة لثقافة الابتكار والتميز والمسؤولية، وكلها أمور ضرورية للتنمية المستدامة.