في سابقة هي الأولى في تاريخ كوريا الجنوبية، تم الأسبوع الماضي القبض على رئيس البلاد «يون سوك يول» الموقوف عن العمل مؤقتاً منذ 14 ديسمبر المنصرم.

واقتياده من مقر إقامته إلى «مكتب التحقيقات في فساد كبار المسؤولين» بسيئول، لاستجوابه بتهمة التمرد على الدستور في 3 ديسمبر 2024، في إشارة إلى إعلانه فترة قصيرة الأحكام العرفية من دون مسوغ مقبول قبل تراجعه تحت ضغط البرلمان والشارع.

وكان الرئيس المعزول قد رفض الانصياع لأوامر قضائية بالمثول أمام المحققين وتحصن في منزله، بدعوى أن مذكرة اعتقاله غير قانونية لأنها صدرت عن محكمة غير مختصة، ولأن فريق التحقيق معه يفتقر إلى تفويض قانوني، وهو ما اضطرت معه السلطات إلى إرسال نحو 3000 شرطي لاعتقاله بالقوة.

ومما لا شك فيه أن هذه الأحداث وما رافقها من تطورات لم تتسبب فقط في إحداث فوضى سياسية في واحدة من أكثر دول آسيا ديمقراطية بعد اليابان، وإنما جعلت أيضاً منصب قائد البلاد وصاحب القرار السياسي الأول شاغراً ويدار بالإنابة في وقت عصيب تواجه فيه كوريا الجنوبية تحديات أمنية كثيرة.

وبعبارة أخرى فإن ما حدث في ديسمبر من العام الماضي، أضعف أول مرة قدرة سيئول على صوغ قرارات سياسية خارجية مرنة والتخفيف من التهديدات الأمنية الإقليمية المتزايدة من قبل الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

كما أنها المرة الأولى التي يحتفل فيها الحليف الأمريكي بتنصيب رئيس جديد، من دون مشاركة كورية جنوبية على مستوى الرئيس.

ويمكن القول إن الجزء الأخير، أي تنصيب دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة، يحمل معه لسيئول تحديات إضافية (عسكرية واقتصادية وسياسية) تحتاج إلى قائد لحسمها أو التفاوض في شأنها من موقع القوة والثبات والنفوذ والقرار المدعوم من البرلمان والشعب.

وغني عن البيان أن ترامب كان قد دعا سيئول في ولايته الأولى لدفع خمسة مليارات دولار سنوياً مقابل تمركز نحو 28500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية لردع النظام الشيوعي في بيونغيانغ وللحفاظ على توازن القوى في شبه القارة الكورية.

وفي حملاته الانتخابية وتصريحاته منذ إعلان فوزه، لم يترك ترامب فرصة إلا وهدد فيها بشن حرب تجارية ضد الصين، وفرض تعرفة جمركية شاملة بنسبة 10% - 20% على السلع القادمة، مع إلغاء إعانات الدعم المطبقة في عهد سلفه جو بايدن.

وهذا بطبيعة الحال أمر يقلق سيئول لأنها قد تتعرض لنيران هذه الحرب فيتضرر اقتصادها المعتمد على التجارة والتصدير والذي أرسل إلى الولايات المتحدة وحدها صادرات بقيمة 128 مليار دولار في عام 2024.

وكمثال على صحة ما نقول، فإنه من الممكن أن ينخفض الفائض التجاري القوي الحالي لكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة في حال فرض تعرفة شاملة منخفضة بنسبة 10%، ومن الممكن أن تتكبد التكتلات الكورية العملاقة مثل «سامسونغ» و«هيونداي» خسائر كبيرة في السوق الأمريكية في حال أن قرر ترامب إلغاء برامج الدعم والإعانات.

ولا يعرف حتى الآن شكل السياسة التي سيتبعها ترامب إزاء كوريا الجنوبية في ولايته الجديدة، ولكن هناك اعتقاداً لدى الكثيرين أنه سوف يضغط على كل حلفاء بلاده، وفي مقدمتهم كوريا الجنوبية، لإنفاق أموال أكثر على شؤون الدفاع والتسليح والمشتريات العسكرية كي تخفض الولايات المتحدة تكاليفها والتزاماتها العسكرية في الخارج، وتزيد من مبيعاتها العسكرية.

دعونا فقط نتذكر في هذا السياق أنه في أكتوبر 2024 اتفقت واشنطن وسيئول على خطة لتقاسم تكاليف الوجود العسكري الأمريكي على الأرض الكورية، الأمر الذي أدى إلى رفع تكاليف الدفاع في الميزانية الكورية بنسبة 8.3% أولاً، قبل أن ترتفع إلى 13.9%.

ودعونا أيضاً نتذكر ما قاله ترامب في حينه تعليقاً على تلك الخطة، فقال إنه سوف يجعل الكوريين يدفعون أكثر من ذلك بكثير، مضيفاً: «لو كنت هناك (أي في السلطة) لكانوا يدفعون لنا 10 مليارات دولار سنوياً».

ولا ننسى في السياق نفسه التذكير بما قاله ترامب في مقابلة بالنادي الاقتصادي في شيكاغو في 15 أكتوبر المنصرم، ومضمونه أن الكوريين سيكونون سعداء بدفع الأموال مقابل الركوب المجاني على ظهر القوة العسكرية الأمريكية، لأنهم آلة أموال Money Machine.

من ناحية أخرى، هناك مخاوف من أن حالة الشلل السياسي في سيئول، وعدم وجود صانع قرار سياسي قوي، قد يدفعان ترامب إلى تجاوز كوريا الجنوبية في ما يتعلق بأوضاع شبه القارة الكورية، فيعقد مثلاً صفقة مع بيونغيانغ كي يضمن منع التهديد النووي لبلاده، من دون أن تكون لسيئول أي كلمة أو دور، وخصوصاً أن ترامب لا يهمه سوى مصلحة أمريكا أولاً وأخيراً.