بدأت هذه السلسلة من المقالات باقتباس عن انحسار جدوى التعليم التقليدي مع التطورات الكاسحة التي أخذت تطبع بطابعها كل مناحي الحياة والنشاط الإنساني تقريباً، ثم أوضحت العلاقة بين التعليم والاستدامة كهدف من الأهداف الوطنية، ما يستدعي الانتقال إلى نماذج أكثر ملاءمة للعصر واستجابة للتطورات.

نرى في المقالة الأخيرة من هذه السلسلة، كيف استبقت جامعة حمدان بن محمد الذكية جامعات العالم إلى اعتماد الجودة ركناً أساسياً من أركان نماذج التعليم والتدريس فيها، إلى جانب التميز «الجودة شرط التميز وصنوه»، أما عن عدالة التعليم.

فقد استوفت الجامعة الذكية هذه الصفة في مناهجها التعليمية منذ تأسيسها باعتمادها نموذج التعليم الذكي، النموذج الأكاديمي المبتكر الذي يوظف مستجدات تقنيات المعلومات والاتصالات، والأقدر على توفير التعليم بالعدل لا بالمساواة، كما هي الحال مع التعليم التقليدي.

وكذلك حققت هذه المنظومة شمول التعليم والتعلم مدى الحياة، حيث كانت هاتان السمتان ملمحين أساسيين من منظومة التعليم في الجامعة منذ انطلاقتها قبل أكثر من عقدين، عبر الكثير من المبادرات التي طرحت برامج ودورات متميزة تغطي جميع شرائح المجتمع على اختلاف الفئات العمرية والتخصصات المهنية، والأمثلة على هذه المبادرات الرائدة أكثر من أن يستوعبها هذا المقال.

أما بشأن ريادة الاستدامة، فإن الجامعة تواكب توجهات القيادة بإعلان 2023 و2024 عامين للاستدامة، ومن ذلك برامج جامعية متخصصة في البيئة والصحة والسلامة، وشهادات وجوائز من منظمات عالمية مرموقة، ومبادرات الجامعة الذكية لتوسيع نطاق الأثر المستدام للجامعة في أوساط المجتمع، وتطوير البنية التحتية للمبنى الجامعي المستدام، وتبني أساليب التعليم المستدامة، ونشر وعي وثقافة الاستدامة.

لقد ساهم التحول الرقمي الذي اعتمدته الجامعة الذكية مبكراً في تأكيد ريادة الجامعة في مجال الاستدامة، ومن خلال الاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا، أمكن تقليل البصمة البيئية.

كذلك قللت الأنظمة غير الورقية والفصول الرقمية وسواها من الحاجة إلى الموارد المادية، بما يتماشى مع مبادئ الاستدامة. وبالإضافة إلى ذلك، تقضي خيارات التعلم الرقمي على انبعاثات الكربون المرتبطة بالتنقل، ما يجعل التعليم متاحاً وصديقا للبيئة. وكانت جامعة حمدان بن محمد الذكية في طليعة الجامعات التي وفرت الحلول الرقمية لتعزيز الاستدامة.

وتوفر المكتبات الإلكترونية بالجامعة موارد هائلة دون الاعتماد على المواد المطبوعة، بينما تمكن المختبرات الرقمية المتعلمين من إجراء التجارب باستخدام عمليات المحاكاة وتقليل النفايات واستهلاك الموارد. وتضيف أنظمة الاعتماد المستندة إلى تقنية «البلوك تشين» مستوى أعلى من الشفافية والأمان.

تعمل هذه الجوانب المبتكرة في منظومة التعليم على تمكين المتعلمين من مهارات القرن الـ 21، وسد الفجوة الرقمية بين المجتمعات في العالم العربي على وجه خاص، كذلك يضمن تركيز جامعة حمدان بن محمد الذكية على الأدوات الرقمية القابلة للتطوير تمهيد الطريق نحو مجتمعات أكثر وعياً وثقافة وانتماء.

ومن خلال دمج التحول الرقمي في نموذجها التعليمي، لم تقم الجامعة بتعزيز تجربة التعلم فحسب، بل عززت أيضاً دورها كشركة رائدة في الممارسات المستدامة. وتتوافق مبادرات الجامعة مع أهداف الاستدامة العالمية، ما يدل على قوة وتأثير التكنولوجيا في تيسير التقدم المجتمعي والبيئي على المدى البعيد. ومع استمرار الجامعة الذكية في تسخير التكنولوجيا وتطويع مستجداتها في منظومة التعليم الخاصة بها، فإنها تجسد كيف يمكن للتعليم أن يقود مسيرة التحولات من أجل مستقبل مستدام.

واليوم غدت الجامعة على أعتاب انطلاقة جديدة في مسيرة التحول الرقمي عبر سلسلة من المشاريع المستقبلية المبتكرة التي تعكس توجهاتها الجديدة كمؤسسة أعمال أكاديمية هي الأولى من نوعها على مستوى العالم.

وتهدف هذه المبادرات إلى دمج التقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والواقع الرقمي لتقديم تجارب تعليمية ديناميكية وتفاعلية تعيد تعريف منظومة التعليم الذكي، علاوة على ذلك، تعمل جامعة حمدان بن محمد الذكية بنشاط على تطوير شراكات استراتيجية مع عمالقة التكنولوجيا، وتعزيز ريادة الأعمال داخل مجتمعها الأكاديمي لابتكار المزيد من الحلول المستدامة في التعليم.

وفي كلمة أخيرة أقول، لقد تبنت جامعة حمدان بن محمد الذكية مسبقاً وعن دراية قائمة على رؤية استشرافية نموذج التعليم، الذي يحقق مواصفات التعليم التي انطوى عليها الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهي إذ تبنت هذا النموذج، فما تزال عازمة على استدامة ريادة التعليم الذكي، التعليم الذي يحقق الاستدامة، وبالتالي فهي عازمة أيضاً على ريادة الاستدامة.