من يقرأ موسوعة «تاريخ الأدب الجغرافي العربي»، للمؤلف الروسي إغناطيوس كراتكشوفسكي، يراوده شعور حقيقي بأنه ظُلم عربياً مع موسوعته، من حيث التقدير الذي يستحق، وبغض النظر أنه ليس بجغرافي ولا بمبحر، لكن الموسوعة سفر كبير اشتغل عليها طوال حياته وبحب كبير للعرب المبحرين وعالم البحار وكل ما في المجال البحري، خاصة أدب البحر، أي كل ما كتبه المغامرون والجغرافيون والتجار والمسافرون عن أسفارهم وإبحارهم ومشاهداتهم.

موسوعة هائلة ذهب بها إلى جذور حكايات المبحرين العرب وقصص القدماء حتى قبل الإسلام، وبحث في الشعر الجاهلي لعله يجد نصوصاً ولو قليلة توثق البحر في أمجاده، إلى ألف ليلة وليلة وحكايات السندباد السبعة، وبحث في مدونات قديمة ومصادر عالمية، وحتى السطور التي كتبت بشكل مباشر وغير مباشر، أو بشكل عشوائي كي يستدل بها، إلى العلوم التاريخية والدينية، مع عادات الشعوب وثقافاتهم... وتوسع حتى تميزت موسوعته واكتملت، ليخدم بها التراث العربي خدمة جليلة.

كان مستعرباً ومستشرقاً، لكنه لم يكن كبقية المستشرقين المنضمين إلى مؤسسات ذات طابع سياسي خفي تبحث في الشرق وتكتبه وتؤوله حسب أغراضها وخططها الاستعمارية. بل كان معرفياً خالصاً. عاش طفولته في سمرقند ووالده مدير مكتبة، ونهل صغيراً كل معارف الشرق، انطلاقاً من طرق الحرير حيث عاش.

الموسوعة لها مكانة كبيرة، حيث نجد التراث العربي البحري يتسع جميع بلدان العالم القديم التي وصل إليها العرب، بأسمائهم، وبشكل دقيق وتفصيلي بالمعلومات والحقائق والسير وحتى الخيال والعجائب، فكم من مكتبة وجامعة ومدرسة عربية يا ترى حريصة اليوم على وجود هذه الموسوعة في أرففها.

توفي كراتكشوفسكي عام 1951م وترجمت موسوعته من خلال الأديب السوداني صلاح الدين عثمان هاشم، ونشرت في القاهرة عام 1961، ومع ذلك لم تحظَ بهذا الاهتمام كما يقول إيهاب الملاح مؤلف سرديات البحر في التراث العربي، وقراءته الاستكشافية، أن العرب في النصف الأول من القرن العشرين، انشغلوا بالحرب السياسية الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، والأخيرة كانت تؤلب الصراع الفكري والثقافي في المنطقة ضد روسيا، ولأن صاحب الموسوعة الذي أحب العرب والشرق، يحمل جنسية الاتحاد السوفيتي والتي كرمته على جهده المعرفي، كان العرب حينها بين هذا وهذا، لِتُظلم موسوعة تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ظلماً كبيراً.