في منازل الميسورين، المثقفين وغير المثقفين، وعلى مستوى العالم، أغلبهم من عشاق جمع العتيق، تحف فنية ومخطوطات نادرة وأوانٍ، وهي عادة تعود إلى العصور القديمة شرقاً وغرباً، وقد تساءل علماء السلوك الإنساني طويلاً، من أين يأتي شغف منح كل هذا الوقت والمال لتجميع التحف؟ وما دوافعه؟ هو سؤال مشروع، على الرغم أن الأسلاف وحتى البسطاء منهم احتفظوا بالأشياء القديمة كذاكرة عاطفية ومادية، أورثوها لأبنائهم.

أغلب الميسورين يؤكدون أن القطعة رائعة وتستحق، وأنها هواية وللمتعة الخالصة، على الرغم أن لهم الفضل في احتفاظهم بالتاريخ موثقاً للأجيال القادمة، فهؤلاء ليسوا هواة فقط، وهم يبذلون الغالي على مختاراتهم، أما إن رغبوا بتحقيق مكسب مالي محتمل في المستقبل؟ أي استثمار، فهذا من حقهم، وهو تصرف إنسان يبني أداؤه السلوكي والوظيفي مثل أي إنسان في أي مكان وزمان، والتجميع في حقيقته عمل، وأعمق من مجرد هواية أو إشباع رغبة الحصول على متعة، والجميل أنهم يحاولون كسر مفهوم المنفعة من التجميع المميز، أي لا يرغبون بأن يصبحوا في نظر المجتمع نفعيين، وهي رغبة خفية بالتحرر من عبودية هذا المفهوم، مفهوم الجمع من خلال المال، ومنها يحاولون خلق صورة جديدة في عالم أكثر حداثة وثقافة وهم يختارون بعناية، أيّ تجديد جديد للمثقف المترف، أكثر من هواية أو غريزة الرغبة.

لكن موضوعنا اليوم حول شغف التجميع لدى الموظفين وذوي الدخل المحدود، وهم يبحثون عن التحف الصغيرة والمخطوطات العابرة والأحجار وحتى الأرائك... ويكررون بأن الشغف يأخذهم إلى تذوق طعم التحدي، وقلة منهم يؤكدون أنها تبقى في إطار الهواية فقط.

ما يؤرق بشأنهم وقلة خبرتهم، هو الأمل الذي حملوه لإعادة بيع القطع كبضاعة تأتي بقيمة، لا كفن يُحتفظ، وهي ورطة مفهوم الهوى في أسواق التحف، التي لم تعد كما كانت قبل عقود، فهي تنهار حرفياً، أمام كل ما جمعوه دون فطنة أو معرفة، وبالتالي دون استثمار مادي، فالأسواق كعادتها تدور بلؤمها على شغف البسطاء، من خلال قطعة صغيرة بلا قيمة تاريخية سعرها في هبوط، ولا مبرر لانهيار الأسعار في أسواق التحف، سوى أنها استغلت كل ما هو قديم لبيعه بالغالي، حتى الأطباق والقبعات التي لا قيمة فنية لها، نتيجة ذلك تأثرت حتى التحف الفنية الحقيقية، من الشغف إلى الشبع.