أجمعت آراء المتابعين والمسؤولين في أكاديميات كرة القدم المنتشرة في الدولة على وجود سلبيات كثيرة أبعدت هذا المشروع المهم في تكوين اللاعبين واكتشاف المواهب عن أهدافه الحقيقية، وحولته إلى «بيزنس» أكثر منه محطة يتعلم منها اللاعب أساسيات كرة القدم بشكلها الصحيح الذي يساعد على تطور اللعبة، ولا أدل على ذلك غير اعترافات المدربين وأصحاب الشأن، لا سيما بعد تزايد عدد الأكاديميات ووصولها لعدد هائل في مختلف مدن الدولة، حتى فاق العدد 200 أكاديمية، ولكن بنفس القدر هناك مبررات يراها البعض أدت للتعامل التجاري في هذا المشروع، ومن بينها عدم وجود عائد لتسيير دولاب العمل، وبين هذا وذاك الرأي أصبحت الأمور غامضة فيما يخص الفائدة المرجوة من أكاديميات الكرة، ولمزيد من توضيح الأمر والغوص في تفاصيله، تناولت «البيان» مع عدد من المسؤولين والمدربين، تلك الظاهرة من أجل الوصول لنتيجة تخدم الكرة لإماراتية، لعل وعسى، واتفق معظمهم على وجود نظرة تجارية أكثر منها فنية في معظم الأكاديميات، وتباينت مقترحاتهم حول الحلول المناسبة.
عائد مادي
وقال عبدالعزيز عبدالله مدير الأكاديمية الأرجنتينية في مركز كواترو الرياضي في عجمان، إن الوضع يختلف وتتباين أهداف الأكاديميات بين «البيزنس» والقيام بدور فني حقيقي، ولكل منهم أسبابه ومبرراته، ومن بين هذه المبررات عدم وجود عائد، ما يدفع البعض لجعل الأمر كما لو كان «بيزنس» أو عملاً تجارياً بحتاً.
وأوضح أن البدايات كانت جيدة عندما وضع اتحاد كرة القدم لائحة نظم بها عمل الأكاديميات، لدرجة أن هناك لجاناً كانت تقوم بالطواف لمتابعة العمل والتأكد من المعايير، سواء كان بالنسبة للمدربين المؤهلين أو الملاعب والمرافق المرتبطة بالعمل.
وبين عبدالعزيز عبدالله، أن الوضع القائم لا يحفظ للأكاديميات أي عائد بالنسبة للاعبين عند انتقالهم للأندية في مختلف المراحل العمرية، والشيء الوحيد هو الانضمام للدرجة الثالثة والتدرج منها حتى الدرجة الأولى وتكوين فرق سنية في الدرجة الأولى، ومنها يكون الانتقال للاعب بعائد مادي، وهو مشوار طويل لا تستطيع الأكاديميات السير فيه حتى تحصل على عائد مادي معقول.
ناحية فنية
واقترح عبدالعزيز عبدالله، وضع حلول توقف ظاهرة «البيزنس» في أكاديميات الكرة، وأهم هذه الحلول هو الربط بين اتحاد كرة القدم والدوائر الاقتصادية في كل إمارة، باعتبار أن الأكاديميات تحصل على تصاريح عملها من الدائرة الاقتصادية، وهذا الرابط يساعد على المراقبة والمتابعة في تنفيذ الشروط الفنية، الأمر الثاني أن يقوم الاتحاد بوضع لائحة أشبه بعائد الرعاية يحفظ للأكاديميات حقها عند انتقال اللاعب للنادي.
وأشار إلى أن عملهم في الأكاديمية الأرجنتينية استند إلى الناحية الفنية البحتة لتقديم لاعبين موهوبين للأندية، مبيناً إلى أن كثيراً من اللاعبين خرجوا منها وأثبتوا كفاءة ومن بينهم لاعبون في المحترفين مثل عبيد رائد الزعابي في عجمان، وأحمد رائد في النصر، وآخرون في الدرجة الأولى، موضحاً أن مقترح الرعاية من شأنه تهيئة المناخ الملائم للأكاديميات للقيام بدور حقيقي من الناحية الفنية، ونوه إلى أن بعض الأكاديميات التي يُنظر لها من ناحية تجارية تستحق الشكر على دورها، وهم معذورون لأن ليس لديهم موارد مالية تساعدهم على تحمل الصرف سنوات طويلة، والبعض منهم لديه 10 سنوات حالياً.
ارتباط وثيق
بدوره، اتفق الكابتن راشد دولفين صاحب ومدير «أكاديمية دولفين» في الشارقة، على وجود سلبيات نتيجة للنظرة التجارية للبعض، ولكن لا ينتقص ذلك من وجود أكاديميات تعمل وفق أهداف فنية، خاصة وأن أصحابها والمسؤولين عنها لديهم ارتباط وثيق بكرة القدم.
وأوضح دولفين الذي أنشأ أكاديميته في النادي العربي بالشارقة، خلال فترة جائحة كورونا عام 2020 أن النظرة كانت فنية بحتة تعتمد على استكشاف المواهب وتلبية رغبات أولياء الأمور في المنطقة القريبة وفق معايير فنية من بينها المدربون المؤهلون من جميع النواحي بما فيها التأهيل والرخصة القارية، مبيناً أن نجاح المشروع يقاس بتحقيق الأهداف الفنية في المقام الأول، ووفقاً للأرقام أصبحت الأكاديمية ترفد الأندية كل عام ما بين 15 إلى 20 لاعباً في مختلف الفئات العمرية ومن بين هذه الأرقام، 7 لاعبين في نادي الشارقة بعد العام الأول، وامتد التعاون بعد ذلك مع بعض الأندية على رأسها شباب الأهلي والوصل.
وقال راشد دولفين: السلبيات الناجمة من النظرة التجارية يمكن معالجتها بتقنين الوضع القائم، ومن بين هذه المعالجات التشديد على وجود مدربين أكفاء وفقاً للمعايير الفنية المعمول بها، ويتحقق ذلك من خلال إشراف جهة فنية تراقب عمل الأكاديميات.
وتحفظ دولفين على مقترح فرض رسوم على الأندية مقابل اللاعبين المنتقلين للأكاديميات على نسق حق الرعاية بالنسبة للاعبين الهواة عند التعاقد، مشيراً إلى أن هذا المقترح يعتمد على نظم ولوائح كل اتحاد، والأكاديميات تعتبر محطة لتأسيس اللاعب، وبدلاً من حق الرعاية وفرض رسوم على الأندية يمكن عقد اتفاقيات بين الأندية والأكاديميات لتقوم الأندية بدعم متفق عليه بين الطرفين عند الاستفادة من بعض اللاعبين.
وكشف دولفين عن طريقة تصنيفهم للاعبين الصغار، موضحاً أن المسألة لا تحكمها فقط الرسوم المالية عند الاشتراك، هناك عملية فرز للاعبين الموهوبين يتم وضعهم مع الفئة الأولى، ومجموعة أخرى للفئة الثانية حتى تتم مراعاة صقل اللاعب بين لاعب موهوب ولاعب مصنوع. وأوضح دولفين أن مسألة الرسوم التي تحددها كل أكاديمية تتفاوت والبعض منهم يقوم باختيار أسماء أجنبية لبعض الفرق العالمية لجذب اللاعبين الصغار ورفع رسوم الاشتراك دون التقيد بمعايير حقيقية.
عنصر تجاري
في حين، أقر الكابتن سليمان عبدالعزيز، المدرب بأكاديمية الصفوة في الشارقة، بوجود العنصر التجاري في أكاديميات كرة القدم، مشيراً إلى أن هذا النوع يعتمد على مدربين دون مراعاة للتأهيل والرخص المعتمدة، رغم أن تدريب الفئات العمرية في عمر مبكر يعتبر أصعب بكثير من تدريب الكبار.
وقال سليمان عبدالعزيز الذي يواصل عمله في تدريب الفئات السنية في الإمارات منذ أكثر من 15 عاماً، إن المسألة تحتاج لإشراف فني من جهة الاختصاص لتقنين المعايير الفنية لأكاديميات الكرة، بحيث يتم قياس تطور العمل ومدى الفائدة الفنية التي تتحقق كل عام وفرض شروط على اختيار المدربين من بينها التأهيل، لا سيما أن رخصة المدربين هي الفيصل في تحديد من هو المدرب المناسب.
وأشار المدرب في أكاديمية الصفوة، إلى ضرورة الحد من ظاهرة وجود أكاديميات هدفها فقط الناحية التجارية والبحث عن العائد المادي فقط، وقال إن الناحية المادية مهمة لأي عمل حتى يغطي متطلباته، ولكن وفق معايير تتحقق من خلالها الأهداف الفنية التي من بينها تقديم لاعبين موهوبين للأندية تستفاد منهم المنتخبات الوطنية.
مشاريع تكوين
كما أكد الكابتن عبدالرحيم الصادق أحد المدربين العاملين في الفئات العمرية، على ضرورة التعامل بجدية في مشاريع تكوين اللاعبين، وقال إن المسألة تقاس بالكيف وليس الكم فيما يخص انتشار الأكاديميات، مشيراً إلى أن كثيراً من الأكاديميات لديها سلبيات وعليها ملاحظات تبعدها عن الأهداف الفنية التي تحد من عملية تطور كرة القدم.
وأوضح الصادق الذي يواصل عمله حالياً في أكاديمية الصفوة، أن كثيراً من المدربين حرصوا على صقل تأهيلهم بشكل صحيح من خلال برامج الاتحاد الآسيوي التي تتوفر في دولة الإمارات، ولكنّ هناك مدربين أيضاً يعملون بلا رخصة ويعتمدون فقط على الممارسة في هذا المجال.
رخصة دولية
بدوره، أوضح الكابتن عمار أبو شيبة، المدير الفني والإداري في «أكاديمية تايغر»، أحد أقدم المدربين والإداريين في عمل أكاديميات الكرة بالإمارات، أن المعايير كانت فنية بحتة عندما تم التأسيس لمشروع الأكاديميات في الإمارات، لدرجة أن العدد لم يتعد 10 أكاديميات في الدوري الذي كان ينظمه اتحاد كرة القدم في ملاعبه بدبي، وكانت الإجراءات جيدة في ذلك الوقت قبل 10 سنوات، حيث تتم المتابعة والمراقبة من لجان تفتيش لاتحاد الكرة، يتم من خلالها تصنيف الأكاديميات لثلاث فئات «أي، بي، سي» ومن بين المعايير وجود مدربين معتمدين وفقاً للرخصة الدولية، ولكن الوضع اختلف بعد ذلك وتضاعف العدد إلى أكثر من 200 أكاديمية حالياً في الإمارات، وانعكس ذلك سلباً في المعايير التي كانت تحكم العمل.
ويشير أبو شيبة إلى أن البعض تحايل في الحصول على تصديق الأكاديميات بطريقة تبعدهم عن الالتزام بمعايير اتحاد الكرة السابقة بالاعتماد فقط على تصاريح دوائر التنمية الاقتصادية في كل إمارة بهدف تقليل المصروفات، حيث يتم الاتفاق مع مدربين غير مستوفين الشروط.
فائدة حاضرة
وأشار أبو شيبة إلى أن الفائدة الفنية موجودة من بعض الأكاديميات التي رفدت الأندية في مختلف المراحل السنية بكثير من اللاعبين وضرب المثل بـ «أكاديمية تايغر» التي خرج منها أكثر من 45 لاعباً حتى الآن بعض منهم وصل لدوري المحترفين.
وقال أبو شيبة: الحلول لمعالجة أهداف «البيزنس» في أكاديمية الكرة يكمن في أن يقوم اتحاد كرة القدم بتكوين لجنة تضع الشروط المناسبة وتحت إشراف الاتحاد كما كانت الأمور في البداية، مبيناً أن الأمر يحتاج أيضاً ضمن الشروط تقنين العلاقة بين الأكاديميات والأندية عند انتقال أي لاعب تحت بند الرعاية كما هو معمول في انتقالات اللاعبين الشباب والناشئين، وفي هذه الحالة سيكون ذلك تشجيعاً للأكاديميات للقيام بدورها في الاهتمام أكثر بالنواحي الفنية وانتقاء أفضل الموهوبين.
