عبر سنوات طويله ظلت اليابان مضربا للمثل في التكنولوجيا والشركات العملاقة في مجال تصنيع الاجهزة الالكترونية، وظل هذا الوضع قائما من السبعينات من القرن الماضي ولسنوات طويله بعملاقة مثل سوني، آيوا، ناشيونال (باناسونيك)، جي في سي، ان اي سي، توشيبا وشارب، وفوجيتسو وغيرهم من العلامات التجارية العملاقة التي سيطرت على العالم.

حيث إن شركة سوني والتي أقيمت في السابع من مايو عام 1946 على يد اكيو موريتا وماسارو ايبوكا استطاعت السيطرة على العالم مستهدفة فئات الشباب المهتمين بالإلكترونيات مثل الهواتف والتلفزيونات والكاميرات، وهذا لم يكن جديداً على العالم، وكانت سوني أول شركة قامت بصنع وابتكار أول جهاز مشغل أغاني في العالم، إضافة إلى أهم اختراعاتها وأحد أهم رموزها المالية وأساس دخلها هو جهاز البلايستيشن، وكلها أجهزة كانت بشغف شباب وموجهة إلى فئة الشباب.

وقدرت مبيعات شركة سوني من عام 2016 إلى الآن إلى ما يقدر بـ349.7 مليون قطعة وبلغت أرباح شركة سوني منذ عام 2016 حتى الآن مبلغ يقارب 66.6 مليار دولار.

ومثال بسيط لما تجنيه شركة سوني من وراء جهاز البلايستيشن، حيث إن شركة سوني قامت ببيع 59.2 مليون جهاز بلايستيشن، وهذا ليس المجموع الكلي بل هو عدد مبيعات جهاز بلايستيشن فايف فقط، وقدرت مبيعات بلايستيشن 5 برقم يعادل 29.6 مليار دولار.

وتصل القيمة السوقية للشركة لحوالي 20.05 ترليون ين ياباني، وتليها في الترتيب شركة ناشيونال (باناسونيك)، والتي اقيمت عام 1918 على يد كونوسوكي ماتسيوشيتا

وتعتبر من أبرز الشركات العالمية التي تقدم مجموعة واسعة من الاجهزة الكهربية مثل الثلاجات، الميكروويف، الغسالات، المكانس الكهربائية والمكيفات، وكانت شركة باناسونيك اول شركة في العالم تخترع المصباح الكهربائي القابل للتوصيل بالمقبس وتقنيات فريدة من نوعها في مجالات مختلفة مثل الصوتيات والاشعاعات الخارجة من التلفاز.

وقدرت مبيعات الشركة من عام 2016 حتى الان ما يصل إلى 1.83 مليار قطعة مباعة، ووصلت أرباح باناسونيك منذ عام 2016 حتى الآن إلى ما يقدر بي 23.5 مليار دولار، وتحقق ارباح تصل إلى 12 مليار دولار من وراء بيع البطاريات فقط، وتصل قيمتها السوقية إلى 3.73 ترليون ين ياباني.

السيارات اليابانية

وكان ذلك في مجال الأجهزة الكهربائية بينما في مجال السيارات فكانت اليابان تتألق كالعادة وظهرت شركات وعلامات تجارية لامعة وعملاقه مثل تويوتا، ونيسان، وهوندا، وسوبارو، وداتسون، وميتسوبيشي، وداياهاتسو وسوزوكي.

وبالحديث عن أكبر شركتين وهما تويوتا وهوندا، فشركة تويوتا تأسست في 3 أغسطس عام 1937 على يد كيشيرو تويودا وكانت الشركة متخصصة في صناعة الآلات والنسيج، ولكنها أطلقت أول سيارة لها عام 1936 وكانت اسمها تويوتا AA ولكن الشركة نفسها تم تأسيسها عام 1937.

وكانت أول شركة في العالم تستطيع إنتاج 10 ملايين سيارة سنوياً، واشتهرت بابتكارها للسيارات الهايبرد، التي تدمج فكرة السيارات الكهربائية مع المحركات التقليدية، وباعت تويوتا من 2016 حتى الآن ما يقرب من 90.29 مليون وإجمالي ايراداتها من عام 2016 إلى عام 2023 يقدر بـ2.53 ترليون دولار وبصافي ربح يصل إلى 171.6 مليار دولار، ووصلت القيمة السوقية للشركة إلى 46.15 ترليون ين ياباني.

اما عن شركة هوندا والتي تم تأسسها عام 1948 من قبل سويتشو هوندا وكانت الشركة عباره عن ورشة محركات في عام 1946 إلى أن تطورت وأصبحت تركز على تصنيع السيارات والدراجات في عام 1948 ، ووصلت مبيعاتها من عام 2016 إلى الآن لما يقدر بـ206.2 قطعة تم بيعها بأرباح تصل إلى 1.12 تريليون دولار وصافي ربح يصل إلى 50 مليار دولار، ووصلت القيمة السوقية لشركة هوندا إلى 7.89 ترليون ين ياباني.

سحب البساط

وكانت كل هذه الشركات مكتسحة للعالم سواء في الجوده أو في المبيعات، وجاءت أكثر استهدافاً لفئات الشباب بتصميمات عصرية، وحتى بألوان شبابية في ذلك الوقت، الا انه رويدا رويدا بدأت الشركات الكورية في الدخول على الخط فظهرت دايو وهيونداي وكيا، الذين كانوا البديل الأرخص للتكنولوجيا اليابانية التي ظلت محتفظة بالجودة لكنها لم تستطع المنافسة في الأسعار.

وفي مجال الإلكترونيات ظهرت علامات جولد ستار (إل جي) ثم سامسونج لتأخذ من حصص الأجهزة اليابانية في الأسواق، بجودات متوسطة وأسعار أقل.

وظلت الشركات اليابانية غير قادرة على المنافسة في الأسعار، في الوقت الذي احتفظت بثقة الشارع في جودة منتجاتها، إلا أن تقسيم الحصص السوقية أضر بالشركات اليابانية اقتصادياً، فاندمجت داتسون التي عانت مالياً بالعملاق نيسان ويصبحا علامة واحدة، في البداية ظهرت كداتسون نيسان، ثم اختفت داتسون تماما وتوارت لتصبح نيسان، بينما تراجعت ميتسوبيشي على مستوى الابتكار والتجديد ومواكبة العصر، فانخفضت مبيعاتها عالميا، وكذلك دايهاتسو وسوزوكي، بينما عانت نيسان اقتصاديا أكثر من مرة عبر السنين وفي كل مرة تجري محاولات لإنقاذها من الغرق ومن أشرسها الأزمة في أواخر التسعينيات وكانت بسبب كثرة الديون والتي وصلت إلى 20 مليار دولار والمنافسة الشرسة ولكن استطاعت نيسان إنقاذ نفسها عبر الدخول في شراكة استراتيجية مع شركة رينو وتلك المحاولات كانت تنجح ولكن المشاكل كانت تعود لتحاصر عملاق صناعة السيارات مجددا حتى أصبح إفلاسها على الأبواب لتندمج مع هوندا وميستوبيشي في محاولة اقتصادية يابانية للحفاظ على تلك العلامات التاريخية.

وفي وسط المعاناة اليابانية لم ينج من الأزمة سوى تويوتا التي مازالت على رأس المصنعين في اليابان وتعد المصنع الأكثر استقرارا والأغنى في العالم.. حتى الآن.

المشاكل الاقتصادية

وعلى مستوى الأجهزة الالكترونية توارت شركات مثل جي في سي بحلول منتصف العقد الثاني من الألفية الثانية، وآيوا والتي حاولت العودة في عام 2004 ولكنها لم تسلم من المشاكل الاقتصادية والمنافسة وبحلول عام 2010 اختفت الشركة، الأولى اختفت بالاندماج تحت راية كينوود الأمريكية، والثانية بالاقتصار على مبيعات اليابان وبعض المناطق في جنوب شرق آسيا عن طريق حق استخدام العلامة التجارية وليس التصنيع.

وإذا كانت التكنولوجيا الكورية الجنوبية قد أثرت على المبيعات اليابانية، فالتكنولوجيا الصينية أثرت على كلاهما، فأمام هواوي فقدت سوني مكانتها وجزء كبير من حصتها السوقية في مختلف الأجهزة الإلكترونية، فيما عدا البلاي ستيشن التي لم يظهر بديلاً لها حتى الآن، إلا أن سوني ألغت العديد من خطوط انتاج أجهزة إلكترونية، وألغت إنتاج أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وأصبحت أجهزتها المحمولة غير رائجة في الأسواق العالمية، وعلى الجانب الكوري الجنوبي، أوقفت إل جي خط إنتاجها من الهواتف الذكية، وكادت سامسونج أن تتأثر لولا الإنقاذ الذي جاءها في وقته بالقرارات الأمريكية بحجب خدمات جوجل عن هواوي، والذي أوقف زحف الشركة الصينية، إلا أنها ما تزال غير سالمة من زحف مجموعة بي بي كيه المالكة لعلامات أوبو ووان بلس وريل مي وفيفو، إضافة إلى العملاق شاومي.

التنين الصيني

وما تزال سوني لها مكانتها والسيارات اليابانية تلقى قدراً كبيراً من التقدير، إلا أن البساط يوماً بعد يوم يسحب من تحت الأقدام اليابانية، حتى أنه في الطريق للانسحاب من تحت الأقدام الكورية، وكلاهما يتوارى خلف التنين الصيني، الذي يغرق الأسواق بالتكنولوجيا والسيارات بأسعار أقل من أسعار تكلفة إنتاج مثلاتها في اليابان وكوريا، مما يكلف الشركات اليابانية والكورية خسائر كبيرة وفقدان في الحصص السوقية.

ويحمل الخبراء في المجال التكنولوجي خسارة اليابان الحصص السوقية أمام الإنتاج الكوري، ثم أمام الإنتاج الصيني وبصفة خاصة في مجال الهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب الشخصية المحمولة، إلى العناد وعدم المرونة في تقبل التغييرات، فيقول موقع «ماركتينغ سكوب» إن سوق الإلكترونيات المعتمد على الشباب بصفة أساسية، ومن طبيعتهم التقلب وهو عكس الطبيعة اليابانية المعتادة على الثبات.

ويضيف الموقع إن سوني على سبيل المثال ظلت تنتج أجهزة هواتف ذكية رائعة إلى اليوم بإمكانيات لا يضاهيها أي جهاز، ولكن تلك الإمكانيات لم تعد تراعي حاجة الجمهور، وتلعب على فئات ضيقة، مثل إضافة شاشات فور كيه للهواتف الذكية، أضرت بالأجهزة أكثر مما أفادتها، فكانت أكثر استهلاكاً للطاقة، ولم تضف جودة للصورة بسبب صغر حجم الأجهزة واستحالة تمييز العين للفارق في هذا الحجم.

افتقاد الشباب

وبالقياس على سوني، فشركة شارب التي قدمت أول جهاز هاتف ذكي بمستشعر كاميرا 1 إنش، كانت تصميمات الأجهزة وشكلها غير متواكب مع السائد عالمياً، ولم تستطع أن تسوق لمنتجاتها خارج اليابان، إضافة لكون الأمر تجريبيا لكون، وبالقياس على ذلك كبر حجم المستشعر أضاف صعوبة في التصوير بسبب الاهتزازات وخروج الجسم المراد تصويره من الفوكس أو أجزاء منه دون حلول من جانب السوفتوير لحل تلك المشاكل، وبالتالي لم يبع الجهاز كثيراً ولم يخرج من اليابان، وبالقياس على ذلك النهج سارت أغلب الشركات اليابانية في مجال التكنولوجيا، حيث الإفراط في الابتكارات التي لا تلقى اهتمام للمستخدم العادي، مما أفقد تلك الشركات الحصص السوقية.

وفي الوقت الذي صارت فيه اليابان نحو تضييق الفئات المستهدفة، وابتعدت عن الشباب سواء بالاستهداف أو في التصميمات، وارتفعت أسعار المنتجات الكورية سواء في التكنولوجيا أو في السيارات برفعهم لمستوى الجودة، سارت الصين في اتجاه شفط المستهلكين من جمهور الدولتين، فاستطاعت اللعب على فئات الشباب في الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية في العموم، ولعبت أيضاً على الأسعار مقدمة جودة مرضية بأسعار في متناول اليد، فسحبت البساط من اليابان أولاً ثم كوريا الجنوبية بعد ذلك.

ولا تزال اليابان متربعة على عرش التكنولوجيا الثقيلة من معدات تصوير أو أجهزة طبية أو كاميرات التصوير الاحترافية، مستهدفة جمهور الشركات على حساب عامة الناس، فهل تستمر في السيطرة على ذلك المجال أم تدخل كوريا والصين المجال أيضاً ليفقد «كوكب اليابان» آخر خيط في بساط التكنولوجيا؟!