في عام 2009، تأسست «جمعية الناشرين الإماراتيين» باعتبارها مؤسسة ذات نفع عام تعمل على تطوير قطاع النشر من خلال تعزيز التعاون بين الناشرين الإماراتيين، إلى جانب العمل على ضمان حقوقهم وحماية الحقوق الفكرية وحقوق النشر والتوزيع، والإشراف على تنفيذها بشكل عام.
وبتأسيسها، اكتسب قطاع النشر في الإمارات حضوراً مهنياً، ووضع جهوده على أبواب الاحترافية، على صعيدي اعتماد المعايير العالمية في صناعة الكتاب، ودعم الناشر والكاتب الإماراتي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى الصعيدين العربي والعالمي.
وبتأسيس «الجمعية» أصبح للناشرين الإماراتيين جهة تمثيلية، هيأت المجال أمام توحيد رؤاهم وجهودهم بشأن طموحاتهم في تحويل الإمارات إلى مركز نشر عربي، من خلال تعزيز الإطار القانوني الخاص بقطاع النشر، وتنويع المحتوى العربي وزيادة جودته، وتطوير أساليب تعليم اللغة العربية، والتشجيع على القراءة، وتحسين آلية التوزيع، وتطوير المهارات الإبداعية.
وشكل تأسيس هذه الجمعية محطة أساسية في إطلاق صناعة نشر احترافية في الدولة، تعززت بجهود رسمية دعمت هذه الصناعة بالعديد من المبادرات، في مجال إرساء قاعدة وأساس قانوني ينظم العمل في القطاع، والاهتمام باللغة العربية، وتشجيع القراءة، وإطلاق الجوائز، وإنشاء المؤسسات الرديفة والمساندة، مثل «هيئة الشارقة للكتاب»، وغيرها.
وبمرور خمسة عشر عاماً، على تأسيس جمعية الناشرين الإماراتيين، تحقق الكثير لصناعة النشر والكتاب في الدولة، حيث تفيد أحدث الأرقام المتوفرة أن عدد دور النشر المحلية بات يزيد على 100 دار نشر عاملة، تنشط في مجال النشر والتوزيع، وتشارك في المعارض المحلية والعربية والعالمية.
ومن جانب آخر، ظهرت خلال هذه الفترة قائمة صادرات الكتب في الدولة، بعدما كانت أرقام الاقتصاد الوطني مقصورة على قائمة واردات، واليوم تشير أحدث الأرقام المتوفرة أن عائدات صادرات الكتب في الدولة بلغت ما يزيد على أربعة ملايين درهم.
وتظهر التوقعات أن مستقبل قطاع النشر في الدولة واعد للغاية، لا سيما مع تحول الإمارات إلى مركز إقليمي، ذي حضور عالمي، في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تأمل الأرقام الراهنة، حيث إن إجمالي ما يتم تداوله في قطاع صناعة النشر بالدولة، اليوم، يبلغ 233 مليوناً، هو واقع ما تستحوذ عليه هذه الصناعة في الوقت الحالي.
وبالمقابل، فإن حساب النمو المتسارع لهذه الصناعة في الدولة، يرسم توقعات بالوصول إلى نحو 650 مليون درهم بحلول العام 2030، لا سيما أن آلية النشر الحالية تضاعفت، مقارنة بما قبل إعلان الاتحاد، وتحديداً حسب الإحصاء المشار إليه في 1970، من خمس كتب إلى 500 كتاب، بما يوازي تضاعفاً بمقدار 100 مرة، ما يعكس تطور صناعة النشر في الدولة بشكل ملحوظ.
حضور دولي
وتضاعف خلال السنوات الماضية الاهتمام بالنشر وصناعة الكتاب في دبي، التي شهدت إقامة أول مؤتمر دولي للنشر في دبي، نظمته «مؤسسة الإمارات للآداب» بالشراكة مع الأمانة العامة للمجلس التنفيذي لإمارة دبي، في مارس 2017، في حين استضافت «مجموعة مستخدمي ويكيميديا الإمارات» عن النسخة السادسة من مؤتمر ويكي عربية، الحدث الأهم في العام في مجتمع ويكيميديا العربي (2022).
وفي السياق ذاته، شهدت دبي فعاليات النسخة الثالثة لـ «ملتقى النشر الرقمي»، الذي تنظمه هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، بمشاركة خبراء ومختصين من مختلف الجهات الحكومية والخاصة.
كما نظمت مكتبة محمد بن راشد (2024) مؤتمر دبي الدولي للمكتبات.
وحققت الدولة نجاحات كبيرة على صعيد الانخراط في قيادة صناعة النشر في العالم، فقد اختيرت الشارقة عاصمة عالمية للكتاب (2019)، فيما اختيرت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، لتكون ثاني امرأة تتولى رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين (2021 – 2023)، منذ تأسيسه في باريس عام 1896.
ومن جانب آخر، استضافت الشارقة الدورة السادسة لـ «مؤتمر الناشرين العرب» (2022) الذي أقيم تحت شعار «صناعة المحتوى وتحديات ما بعد الجائحة»، كما نظمت هيئة الشارقة للكتاب بالتعاون مع الاتحاد الدولي للناشرين الدورة الـ 14 من مؤتمر الناشرين، وذلك قبيل انطلاق الدورة الـ 43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.
نمو مطرد
من جهته أكد راشد الكوس المدير التنفيذي لجمعية الناشرين الإماراتيين، أن قطاع النشر في دولة الإمارات يواصل نموه بشكل مطرد ليصبح أحد المحركات الأساسية في تعزيز المشهد الثقافي، وإبراز ثراء الإنتاجات الثقافية المحلية على المستويين المحلي والدولي، مشيراً إلى فخر الجمعية بدورها في دعم وتمكين هذا القطاع الحيوي بتوجيهات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، المؤسِّسة والرئيسة الفخرية للجمعية.
وأشار الكوس إلى أن الجمعية منذ تأسيسها كرست جهودها لتوحيد الرؤى بين جميع المعنيين في القطاع، لتوفير بيئة مشجعة وداعمة للناشرين المحليين، وفي الوقت نفسه، جاذبة للمستثمرين الدوليين في هذا الحقل، وذلك كجزء من مساعي الجمعية لتعزيز مكانة الإمارات مركزاً عالمياً للنشر والإبداع.
وقال: «نسعى دوماً لأن يكون صوت الناشر الإماراتي مسموعاً على الساحة العالمية، ونؤمن أن الاستثمار في المعرفة والنشر هو استثمار في المستقبل، لذا نعمل على ترسيخ منظومة ممكِّنة للناشرين كي يكونوا جزءاً أساسياً من النهضة الثقافية لدولتنا».
وأوضح الكوس أن الجمعية ساهمت بشكل إيجابي في دعم الناشرين الإماراتيين وتوسيع انتشارهم إقليمياً ودولياً عبر العديد من المشاريع والمبادرات التي تضمنت البرامج التدريبية، والمشاركة في المعارض الدولية لتنظيم جلسات بيع وشراء الحقوق التي تسهم في فتح آفاق جديدة أمام الناشرين، فضلاً عن تنظيم مؤتمرات وورش عمل وندوات على المستويين الإقليمي والعالمي، وإقامة شراكات مثمرة لتعزيز تبادل المعرفة داخل مجتمع النشر، إضافة إلى تشجيع الناشرين على الابتكار ومواكبة التوجهات الحديثة، مثل النشر الرقمي والكتب الصوتية.
وأضاف: نركز جهودنا في هذه المرحلة على المبادرات والمشاريع التمكينية للناشر الإماراتي؛ مثل مبادرة «انشر» و«مهرجان الشارقة للآداب» بالتعاون مع هيئة الشارقة للكتاب من أجل توفير أدوات ووسائل متكاملة لرفد الناشرين وحماية حقوقهم، وحقوق الملكية الفكرية، ما يسهم في إثراء مشهد النشر والترجمة والتوزيع في دولة الإمارات.
واختتم الكوس بالتأكيد على التزام الجمعية بمواصلة العمل على دراسة التحديات التي تواجه قطاع النشر؛ لإيجاد أفضل السبل لمواجهتها، إلى جانب تحديد الفرص المتاحة واستثمارها على الوجه الأمثل، وصولاً إلى تحقيق طموحات إمارة الشارقة ودولة الإمارات في تعزيز نمو الاقتصاد الثقافي والإبداعي بشكل مستدام.
طفرة
وقال الكاتب ضرار بالهول الفلاسي: «تستفيد صناعة الكتاب وقطاع النشر عموماً، مما تعيشه البلاد من طفرة على المستويين، الكمي والنوعي، في مجال الصناعات الإبداعية والثقافية، والنمو الذي تحققه سنوياً، في حين أن التنوع الذي يتسم به الاقتصاد الإماراتي وقوته، يفتح المجال أمام قطاع النشر في الدولة إلى الاستفادة من مجالات النشر غير الثقافية، التي يمكنها أن تحدث طفرة في القطاع».
كما أكد نجاح الدولة وتميزها في قطاع النشر بمختلف أنواعه وأشكاله، مشيداً باهتمام الحكومة بالنشر والناشرين والكتّاب أيضاً وصناعة المحتوى بشكل عام، والتركيز على أهمية القراءة والحث عليها بمختلف المبادرات والمسابقات، وتبنّيها لصناعة النشر.