سوق «عكاظ» التاريخي الشهير كان له أشباه لم تلقَ ذلك الألق وتحظى بنصيب من تسليط الضوء عليها، من بينها سوق «دبا» الذي كان أيضاً مركزاً تجارياً وثقافياً معروفاً قبل وبعد الإسلام. وضمن فعاليات ملتقى تعبير الأدبي تم تسليط الضوء على هذا السوق من خلال الحكواتي الذي وقف ليحكي للزوار عن تاريخ وعراقة المكان، وأهميته التجارية والثقافية، حيث أشار أحمد يوسف، مخرج وممثل وحكواتي مقيم في الإمارات منذ أكثر من ثلاثين سنة، إلى أنه تم تكليفه للحديث عن السوق، وهو على الرغم من اهتمامه بالتاريخ والحكايات لم يكن على علم به، مؤكداً أنه استمتع بالبحث عن المعلومات الخاصة عنه.
وقال: «تواجد السوق منذ آلاف السنين، حيث كانت دبا مركزاً تجارياً يشبه تماماً سوق عكاظ المعروف، إلا أن هذا المكان بقي معروفاً بين أبناء المنطقة، فقد كانت تقع على طريق الحرير، ومركزاً للقاء بين الشرق والغرب، وممراً رئيسياً وتجارياً، وملتقى للتجار والحضارات وكان فرصة لتلاقي الحضارات فيه خلال رحلاتهم وتجارتهم».
وأشار الباحث الإماراتي فهد المعمري إلى أن سوق دبا يعد أحد أسواق العرب الاثني عشر التي كانت تقف عليها خلال رحلتها على امتداد السنة، ومن أشهرها سوق عكاظ الذي كان يقع في الطائف، وأخذ شهرته لأن الناس كانوا يقفون عليه بعد انصرافهم من الحج، مبيناً أن هناك العديد من أسواق العرب مثل سوق صحار، والمجاز، ودبا.
وأكد المعمري أن سوق دبا يعد أحد الأسواق العريقة التي كانت تقف فيها العرب منذ الأول من رجب حتى منتصفه، وكان مركزاً تجارياً ترسو فيه السفن الكبرى من الشرق والغرب وكانت واردات الهند والسند تصل إلى الميناء، ومن الناحية الأدبية كان يجتمع فيه الأدباء والشعراء والمثقفين ليتبادلوا أطراف الحديث والمعلومات عن الشجر، والشعر، وأخبار العرب، وأنسابها.
وتقع مدينة دبا الحصن التي تشكل جزءاً من إمارة الشارقة، على الساحل الشرقي المحاذي لبحر عمان، وتبعد حوالي (30 ميلاً) إلى الشمال من إمارة الفجيرة، وحوالي (90 ميلاً) إلى الشرق من دبي، ويحتوي تاريخ شبه الجزيرة العربية ما قبل الإسلام على إشارات عديدة تخص مدينة دبا كسوق عربي مهم في الجاهلية، حيث كانت ملتقى التجار القادمين من الهند والسند والصين، ومن كلا جهتي الشرق والغرب لغرض التجارة، كما تشتهر المدينة بكونها المسرح الذي شهد واقعة حروب الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
تنقيبات
وأسفرت التنقيبات الأثرية التي أجرتها بعثة التنقيب المحلية التابعة لإدارة الآثار في الشارقة، عن ظهور قبر كبير مشيَّد تحت الأرض لأغراض الدفن الجماعي، احتوى على عدد من الهياكل العظمية البشرية رافقتها أعداد كبيرة من هدايا الدفن المتنوعة التي تشمل عدداً كبيراً من الأوعية الفخارية من بينها مجموعة من الجرار المزججة، وعدد من المصنوعات المعدنية والأسلحة، كما تم العثور في داخل القبر على مجموعة نادرة من القوارير الزجاجية التي تعود إلى الفترة الرومانية، وكمية من المجوهرات الفاتنة من بينها قطع مصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة.
كما تم العثور على آثار لافتة للنظر، عبارة عن قطع عاجية زينت بزخارف متنوعة، ولعل أبرز هذه القطع العاجية أمشاطٌ تجملت بزخارف محززة تمثل مشاهد مثيرة متنوعة، وهذه المكتشفات الأثرية تلقي ضوءاً مهمّاً على فعاليات التبادل التجاري التي كانت قائمة بين الشرق والغرب خلال القرون الميلادية الأولى، عندما كانت دبا تلعب دوراً مهماً في شبكة التجارة العالمية كمركز تجاري رئيسي في منطقة الخليج العربي.