موسكو وأنقرة.. هل تُفسد «سوريا» ما أصلحته «أوكرانيا»؟

الرئيسان الروسي والتركي خلال لقاء سابق
الرئيسان الروسي والتركي خلال لقاء سابق

لم يعد خافياً أن تركيا كانت اللاعب الحاسم في عملية اختفاء النظام السوري عبر سيناريو لم تتضح تفاصيله بعد، وقد بدا ذلك، حتى الثامن من ديسمبر، أمر غير وارد لدى أي من المتشائمين والمتفائلين، في الجانبين ومن بينهما.

جرى تداول روايات كثيرة، عن بيع وشراء وصفقات وتخلٍّ وتآمر، لكننا سنضطر لانتظار زمن، قد يطول أو يقصر، لمعرفة أمر لا يمكن لأي من المحللين الادعاء بأنه فهم كنهه وماهيته، فضلاً عن تفاصيله.

الروس تحدثوا عن انتهاك أنقرة لاتفاقية أستانا حول سوريا والتي نصت على خفض التصعيد والالتزام بعملية سياسية، وهو استخدام دبلوماسي للتعبير ضمناً عن «عملية خداع»، تلمّح موسكو إلى أنها تعرّضت لها. لكن من يعود إلى التاريخ، لا يمكنه الاستنتاج أن العلاقات بين روسيا وتركيا يمكن أن تقوم على الثقة المطلقة، حيث فيها «ما صنع الحداد» من الحروب، وفيها من الخلاف أكثر بكثير مما فيها من الوفاق والاتفاق.

17 حرباً

ما بين القرن الخامس عشر، عندما أصبحت الإمبراطوريتان الروسية والعثمانية جارتين، و1917 عام الثورة البلشفية في روسيا، خاض الأتراك والروس في ما بينهم 17 حرباً على الأقل، خسرها الأتراك كلها. يقول الدكتور سونر غاغابتاي، مدير «برنامج الأبحاث التركية» في معهد واشنطن، إن «من بين حوالي عشر دول مجاورة لتركيا، واحدة فقط تخافها تركيا بالفعل: إنّها روسيا».

وهو يرى أن هذا الخوف يتأصّل في التاريخ ليعود إلى عهد السلطنة العثمانية، حيث كان الأتراك العثمانيون كعبهم عالياً خلال مرحلة معيّنة من الماضي في كل جارات تركيا المعاصرة أو هزموها، من اليونان إلى سوريا، إلّا أن الاستثناء الوحيد كان روسيا.

لذلك مهما حاولت أنقرة التموضع في مكان ما بين روسيا والغرب، تبقى بالمحصلة جزءاً من المنظومة الغربية.

وكانت تركيا في معسكر الولايات المتحدة والغرب طوال الحرب الباردة بين الشرق والغرب. ويجب أن نتذكر أن عضوية تركيا في حلف الناتو في العام 1950، كانت مكافأة من الولايات المتحدة لها على إرسالها قوات إلى شبه الجزيرة الكورية البعيدة لمحاربة الشيوعيين.

الخلفية التاريخية

فهل هذه الخلفية كانت في ذهن الأتراك حين قرروا تجريد موسكو من حليفها السوري؟ ربما، لكن العلاقات الروسية التركية لا تنحصر في الخلاف أو الاتفاق بشأن سوريا والشرق الأوسط. كما أن الخلفية التاريخية لا تصلح وحدها لرسم السياسات في عالم متغيّر.

في حرب أوكرانيا مثلاً، سلكت أنقرة سلوكاً محايداً أو أقرب للحيادية، أو إنها ربما ارتاحت للامتيازات التي منحتها إياها موسكو، مثل دور الوساطة بداية الحرب، و«اتفاقية الحبوب» وعدد من عمليات تبادل الأسرى، والأهم أن موسكو منحت أنقرة دور المركز لتوزيع الغاز الروسي.

فضلاً عن اتفاقية إنشاء مفاعلات نووية في تركيا. أياً يكن الأمر، من السابق لأوانه توقّع حدوث تباعد بين موسكو وأنقرة على خلفية سوريا، حيث إن هذا واحد من ملفات العلاقة وليس كلها. بالنسبة لروسيا، تركيزها الأساس هو صراعها مع «الناتو» على الأرض الأوكرانية، وما زالت تركيا التي كانت أول دولة في الناتو تشتري أنظمة دفاع جوي روسية، مستفيدة من الامتيازات القيّمة التي حصلت عليها من الروس، وقد تكون قريبة من الانضمام لمجموعة «بريكس».