حرب على الإنسانية.. «كمال عدوان» يحتضر

غزيّون يتفقدون الدمار في محيط مستشفى كمال عدوان
غزيّون يتفقدون الدمار في محيط مستشفى كمال عدوان

آخر رسالة وصلت من داخل مستشفى كمال عدوان بقطاع غزة كانت «صوتية» لممرضة تعمل في المستشفى، وجهت من خلالها نداء استغاثة لكل صاحب ضمير حي في العالم، التدخل لوقف هذا الاستهداف الممنهج لآخر مركز طبي في القطاع، تطاله القذائف وتأكله النيران.

ودخلت الحرب الدامية على غزة مرحلة أشد قسوة وأكثر خطورة بالهجوم على الإنسانية في مستشفى كمال عدوان، إذ أجبر الجيش الإسرائيلي الأطباء والممرضين، والمرضى والجرحى على الخروج عراة وسط البرد الشديد، وتحت تهديد السلاح، في مشاهد صادمة ومفزعة.

أقسى اللحظات

وعاش المرضى والطواقم الطبية على حد سواء ليالي وصفها شهود بأنها من أقسى لحظات الحرب، فيروي مدير عام المستشفى، حسام أبو صفية، (لحظات قبل اعتقاله) أن الجيش الإسرائيلي ضرب حصاراً مشدداً على المستشفى، ولاحقاً أخذ يطلق الرصاص والقذائف نحوه، ما تسبب بأضرار جسيمة في مختلف الغرف والأقسام، فضلاً عن إصابة العشرات ممن هم في داخله، بجراح وصدمات نفسية.

ولفت أبو صفية إلى أن أياً من أقسام المستشفى لم يسلم، بما في ذلك قسم الحضانة للأطفال، مضيفاً: «أكثر ما أثار الرعب في نفوس المرضى والطاقم الطبي زرع الروبوتات المتفجرة في محيط المستشفى المكتظ، ما وضع الجميع في دائرة الخطر».

ووسط المجازر والانتهاكات المستمرة للعام الثاني، والتي لا تلوح في الأفق نهاية لها، ومع توالي ارتفاع مؤشر القتل والدمار واستهداف المدنيين، تصر إسرائيل على قتل شتى مجالات الحياة، وليس أدل على ذلك من هذه الجريمة غير المسبوقة باستهداف آخر المستشفيات العاملة في شمال القطاع، وتدمير آخر معاقل المنظومة الصحية بشكل كامل.

روايات صادمة

وينقل مواطنون نزحوا في وقت سابق إلى مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع روايات صادمة، تلخص حرب الإبادة والتدمير والتهجير، لافتين إلى محاولات قتل الحياة بكل أشكالها، وأكثرها قسوة بقطع الأكسجين عن المستشفى، الذي ظن من لجأوا إليه أنه سيداوي جراحهم، ويهدئ من روعهم.

يقول قاسم أبو عجينة من بلدة بيت لاهيا: إن الجيش الإسرائيلي يسعى لتحويل شمال غزة إلى منطقة عازلة، بعد تهجير السكان، تحت وطأة قصف عنيف، ومنع إدخال الغذاء والماء والدواء، منوهاً بمجازر ارتكبت في محيط المستشفى، وأوقعت العشرات من الضحايا.

حصار شامل

وتابع لـ«البيان»: «يخضع المستشفى لحصار شامل منذ عدة أيام، الدبابات تتقدم نحوه وتعيد تموضعها، والطائرات المسيّرة لا تغادر الأجواء، وعشية حرق المستشفى، عشنا ليلة دامية، راح ضحيتها أكثر من 50 فلسطينياً، بينهم كوادر طبية، ومرضى، ونازحون». ولفت إلى نقل ما يربو على 350 شخصاً، ممن كانوا بداخل المستشفى إلى ساحة مدرسة الفاخورة المجاورة، بينهم مرضى ومرافقون وأطباء وممرضون، قبل حرق المستشفى في ساعة متأخرة.

في بلدة بيت لاهيا المنكوبة شمال غزة، التي ترزح تحت وطأة إبادة جماعية وتطهير عرقي، يتوقف قلب «كمال عدوان» عن النبض، لينهي بذلك دوره الإنساني كآخر الصروح الطبية في شمال غزة، إذ كان يقدم الخدمات الطبية لنحو 400 ألف فلسطيني. ويستهدف الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب مستشفى كمال عدوان، لكن هذا الاستهداف بلغ ذروته منذ 20 ديسمبر، عندما أطلقت إسرائيل عملية عسكرية في محيط المستشفى، بتدخل اللواء 401، وبتوجيه من هيئة الاستخبارات العسكرية، بزعم تحويل المستشفى إلى مركز لمسلحين فلسطينيين.