نازحو غزة عالقون بين أحزمة الموت جوعاً أو قصفاً

عائلات فلسطينية نازحة أثناء تجمّعها للحصول على الطعام في خان يونس جنوبي قطاع غزة
عائلات فلسطينية نازحة أثناء تجمّعها للحصول على الطعام في خان يونس جنوبي قطاع غزة

لم تخالف صور الجوع الآخذة في التمدد كبقعة زيت في سائر أرجاء قطاع غزة، على أعتاب الشهر السادس عشر، الوقائع التي ارتسمت منذ اليوم الأول للحرب، إذ يلف زنار الجوع أجساد الغزيين، وتحديداً في منطقة شمال غزة، التي تئن تحت وطأة حصار مطبق، وغارات عنيفة على مدار الساعة.

طفح كيل النازحين العالقين بين أحزمة الموت جوعاً، أو القتل قصفاً، ينتظرون إطعاماً في يوم ذي مسغبة، فإسرائيل أشهرت أوراق القهر في وجوههم، وباتوا يفضلون الموت بقذائف الدبابات والمقاتلات الحربية على الاستسلام للجوع، إذ رغم المخاوف التي تعترضهم، والقلاقل التي تهدد حياتهم، تستقطبهم تكايا الطعام، ولو كانت في دائرة النار.

في شمال غزة (جباليا، بيت حانون، وبيت لاهيا) يمضي النازحون في منازلة البحث عن الطعام، على طريقة (يا قاتل يا مقتول) كما يقول أحدهم، بعد أن ذابت أجساد أطفالهم الغضة أمام أعينهم كالشموع، دون أي اعتبار لما يمكن أن تستجره عليهم لقمة عيشهم، فترى طوابير الجوعى تتكدس أمام مراكز توزيع المساعدات على ندرتها، وشح مواردها، إنها المرحلة الأخطر، كما يصفها نازحون وضعتهم ظروف الحرب في نفق مظلم، ودروب آلام لا تنتهي، بل إن طريقهم في البحث عن الطعام تحولت إلى ساحات رماية.

ظروف مأساوية

وعلى تخوم شهر جديد من المعاناة، التي أخذت تداعياتها تتمدد في المشهد الغزي، في حقبة تعد الأكثر قسوة في تاريخ الشعب الفلسطيني، يعيش أهل غزة في متوالية مشؤومة، راكمت عليهم مؤشرات القتل والجوع والنزوح على أرضية متهالكة واحدة، فعلى رقعة الشطرنج الملتهبة، لم يعد في أيدي الغزيين أية أحجار للدفع بها في مواجهة الظروف المأساوية التي وقعوا في شركها.

صفحات فاحمة السواد في تفاصيل الحياة اليومية للغزيين، يوقظها الشهر السادس عشر للحرب، وما استجرته عليهم من ويلات زلزلت الأرض ومن عليها، غير أن الجوع يبقى الفصل الأصعب الذي يلسع أمعاءهم الخاوية، ما جعل يومياتهم مرتبكة بحرق الأعصاب، ما بين تقصي أخبار «وقف الحرب» أو رصد تكايا الطعام، إذ باتت مشاهد أجساد أطفالهم وهي تذوي أمام أعينهم عناوين قهر إضافية. ويشتكي النازح من بلدة بيت حانون إبراهيم المصري، من قلة الطعام لأطفاله وزوجته المُرضع، مبيناً أنه يقضي ساعات طويلة بحثاً عن ما يسد به رمقهم، وقليل ما يفلح في مبتغاه، مبيناً أن الجوع تحول إلى سلاح فتاك لتهجير السكان وإجبارهم على النزوح.

مساعدات إغاثية

يقول لـ«البيان»: «في شمال غزة، اجترح الجيش الإسرائيلي وسائل أشد خطورة، بمنع وصول المساعدات الإغاثية، وأصبح معدل الفرد رغيف خبز فقط.. المجاعة أخذت تحصد أرواح الأطفال، وبتنا نخشى على أطفالنا، فلا غذاء، ولا رضاعة طبيعية ولا حليب اصطناعي، الجوع فاق كل أنواع الأسلحة المتطورة».

وتصرخ زوجته مقاطعة: «ماذا نفعل والجوع يزحف نحونا؟.. الطعام ينفد من شمال غزة، ولا يختلف الحال في وسطه وجنوبه، أينما نولي وجوهنا نجد المجاعة أمامنا، هذا حكم بالإعدام علينا، نوشك على الموت من الجوع».
وتهيمن أوضاع إنسانية كارثية في شمال قطاع غزة، تحول فيها الجوع إلى وحش كاسر، فيستقبل النازحون الشهر السادس عشر للحرب بشح بالغ في الطعام، يجتهدون لتوفير الحد الأدنى منه، لكن دون جدوى، فتنوء من ثقل معاناتهم الجبال.