فيما بدا كأنه نسق الضربة الأخيرة للحرب، يصارع من كُتبت لهم النجاة في قطاع غزة للبقاء على قيد الحياة، رغم القصف والغارات، التي تستهدف النازحين في خيامهم ومراكز إيوائهم.
ولا يترك سكان شمال غزة أية وسيلة تبقيهم أحياء إلا واستخدموها، فلا مجازفة للخروج من مراكز الإيواء إلا للضرورة الملحّة.
وقبل الإعلان عن التوصل لاتفاق إطلاق النار، عاشت عائلة سليمان المطوق، من جباليا البلد، أجواء ترقب لمفاوضات وقف إطلاق النار، وتحسّب من ردات فعل الجيش الإسرائيلي فيما يعرف بسباق الضربة الأخيرة، وحاولت التغلب على كل ما تعانيه من جوع وبرد، تفادياً للحظة مجنونة قد تودي بحياتها قبل ساعات من وقف النار.
يقول المطوق: نأمل انتهاء هذه المأساة بناء على المباحثات الجارية، وعلمنا عن وجود تقدم لجهة وقف الحرب، ونحرص على الحفاظ على أرواحنا مع قرب الاتفاق، وعلى مدار 15 شهراً أدمنا الهروب من آلة الموت، واليوم نصارع لتفادي مفاجآت الساعات الأخيرة.
ويواصل لـ«البيان»: «نعيش على الحد الأدنى من مقومات الحياة، ولدينا بعض المعلبات أحياناً نتناولها دون خبز، لأن المجازفة في هذا الوقت قد تكلفنا أرواحنا، أرفض ذهاب أي من الأولاد إلى طوابير الطعام، الانتظار أفضل في هذا الوقت».
وفي شمال غزة، يشكل النقص الحاد في الطعام والشراب ضغطاً هائلاً على النازحين في خيامهم، لكن غالبيتهم أخذوا يتكيفون مع أوضاعهم، بانتظار وقف الحرب، والعودة إلى منازلهم.
ومر أكثر من مئة يوم على العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في منطقة شمال غزة (جباليا، بيت حانون، وبيت لاهيا) تخللتها مجازر دموية وموجات تشريد ونزوح، ولوحظ اشتداد وتيرة الغارات للمقاتلات الحربية على وقع الأنباء القادمة من الدوحة، التي بثّت أجواء تفاؤلية في أوساط الغزيين، رغم معاناتهم من أوضاع كارثية بفعل الحصار المطبق عليهم.
ويشتكي علي البطش تدهور الأوضاع الصحية لأولاده نتيجة الجوع والعطش الشديدين، لكنه لا يغامر بالبحث عن طعام أو شراب، مبيناً: «يبدو أننا في الساعات الأخيرة للحرب، وعلينا أن نصبر حتى تنجلي هذه الغمة، ونعود إلى منازلنا وحياتنا».
وقال لـ«البيان»: «نكرس جهدنا في هذه الأوقات العصيبة للعناية بأطفالنا، ونصارع للبقاء على قيد الحياة، ونواجه صعوبة بالغة ومخاطر جمة في التنقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الطعام والشراب، والأنكى أنه لم يتبق في المنطقة تكايا خيرية. المهم أن تتوقف الحرب، وبعدها كل شيء يهون».
وتابع: «المخاطر تتهددنا من كل جانب، والقصف يلاحقنا ليلاً نهاراً، والجيش الإسرائيلي سعى لفرض منطقة عازلة هنا في شمال غزة، على وقع قصف دموي أوقع المئات من الضحايا. كان يعيش في هذه المنطقة أكثر من 200 ألف مواطن، نزح منهم نحو 180 ألفاً، وظل ما يقارب الـ20 ألفاً، وكل همهم في هذه الأوقات النجاة بأرواحهم».