هنالك في موسم الزيتون الفلسطيني ما يبرر قول شاعر القضية محمود درويش: «لو يذكر الزيتون غارسه.. لصار الزيت دمعا»، ففي كل عام يصعّد المستوطنون حربهم على الزيتون، فنشهد حفلات الاقتلاع والتجريف التي تطال الأخضر واليابس.
ودأب المستوطنون على اقتلاع أشجار الزيتون قبل أن يرى الزارعون ثمارها، محولين الأغصان الخضراء اليانعة إلى حطب قبل الأوان. وحتى أوراق الشجر التي لها أوصاف جميلة في الأمثال الشعبية الفلسطينية، فإنها تتحول إلى مرثية مترامية الأحزان.
بالنسبة للفلسطينيين، موسم الزيتون ليس فقط موروثاً شعبياً، ومصدراً اقتصادياً مهماً، بل يتعداهما ليصبح من أهم مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية، ورمزاً للتجذر في أعماق الأرض، والإصرار على البقاء.
المواطنة جميلة شكارنة، من قرية نحالين جنوب غرب مدينة بيت لحم، كانت تمارس طقوسها المعتادة في قطف ثمار الزيتون، لكن حسابات البيدر لم تأتِ كحسابات الحقل، فقد توقفت قسراً، بعد أن اعتدت عليها عصابات المستوطنين، ومع هبوط الليل، كانت تلك العصابات تقطع الأشجار، وتشعل النار من تحتها، لتكتب نهاية حزينة للموسم.
تقول شكارنة لـ«البيان»: «كنا نقطف ثمار الزيتون، ومجموعة من المستوطنين تتربص بنا، وفجأة انقضوا علينا وهاجمونا بالحجارة والعصي، وكانت قوة من الجيش الإسرائيلي على مقربة، ولم تتحرك لمنع هذا الاعتداء الهمجي، فأصبت أنا وآخرون من عائلتي بجروح وكسور ورضوض».
ويعلق أحمد شكارنة، من القرية ذاتها: «المستوطنون يستهدفون التاريخ والوجود الفلسطيني، ولذا في كل عام نشهد حرباً ضارية على شجرة الزيتون، فيعملون على اجتثاثها من جذورها كأنهم يرون في هذه الشجرة ما هو شاهد حي على جرائمهم وانفلاتهم واعتداءاتهم على المزارعين، وسرقة محاصيلهم».
اعتداءات يومية
وفي قرى سنجل والمغير وترمسعيا وسلواد شرق رام الله، يصطبغ موسم الزيتون بدماء مزارعيه، فيتعرضون لاعتداءات يومية دامية من قبل المستوطنين، خصوصاً في المناطق التي تحيط بها المستوطنات.
مواطنو هذه القرى لم يهنأوا بموسم الزيتون، فحياتهم أصبحت في خطر، وهم يواجهون الرصاص والقنابل الغازية مع كل صباح، لكن لا مفاضلة بين أرواحهم وشجرة الزيتون.. «نفديها بأرواحنا» قال المواطن أحمد جبارة، من ترمسعيا، مضيفاً: «قد نفقد بهجة موسم الزيتون بفعل اعتداءات المستوطنين، لكننا لن نترك أرضنا ولا زيتوننا، حتى لو كان زيتنا بلون الدم».
والمشهد القاتم هذا لا يقتل إحساس الفلسطيني بالحياة، ولا يربك علاقته مع الأرض ولا الشجرة المباركة، فالفلسطينيون مصرون على الحياة والبقاء، إنهم منغرسون كأشجار الزيتون.
