القوة الناعمة للشركات

قد يتساءل البعض ما جدوى أن تقتطع الشركات من أرباحها من أجل المسؤولية المجتمعية؟ لماذا لا تستثمر هذه الأموال في تنمية أعمالها وزيادة مداخيلها وتوسعة استثماراتها؟

سؤال مشروع، لكنه في عرف العارفين ممنوع، لأن قوة الشركات اليوم لا تقاس بأرباحها المادية وحسب، فهناك أرباح معنوية أخرى تعزز نجاح الشركات، وتضمن استدامة عطائها، وتنمية أعمالها، وزيادة ثقة العملاء بها. هذه المخرجات من وجهة نظر استثمارية قيمتها أكبر بكثير من حجم الأموال، التي يتم استقطاعها لصالح المسؤولية المجتمعية، وإن كانت بالملايين.

هناك أمور بسيطة أو دفينة، أشبه بأن تكون بيضة القبان، التي ترجح كفة الشركة، لأن تنمو بأرباحها وتكبر بنجاحها، وهنا لا بد أن نأخذ «المسؤولية المجتمعية» بالحسبان، فالمجتمع هو كل شيء، وثقة أفراده تمنح الشركة كل شيء، فتلك الثقة تشكل القوة المعنوية أو القوة الناعمة للشركات والتي تحتاج إليها في حلبة المنافسة المهنية، وفي سلاسل توليد الأفكار التسويقية، وصولاً لغاية ترسيخ العلامة التجارية، وتلك الثقة لا تأتي أبداً إلا من قناعات شخصية لأفراد المجتمع، ومن تشكُّل ما يسمى بالرأي والوعي الجمعي الإيجابي لدى الجمهور المستهدف.

لماذا المسؤولية المجتمعية مهمة للشركات؟ الجواب ببساطة شديدة: لأن فيها أرباحاً استراتيجية بعيدة المدى، كبيرة ووفيرة تُجنى من نجاحات لاحقة، وقناعات راسخة لأجيال المجتمع، ولجمهور واسع ويتسع من العملاء الصادقين، فأكثر الشركات نجاحاً وشهرة على مستوى العالم أكثرها إخلاصاً وخدمة للمجتمع، إنها معادلة صادقة ومجربة، وحقيقة واضحة لا يمكن إغفالها.

ولماذا المسؤولية المجتمعية مهمة للمجتمع؟ لأنها المحرك الفاعل لمزيد من التواصل والتقارب والتكامل بين المجتمع ومؤسساته، ولأنها العربون الكافي لتأكيد دمج الشركات بمشاريع اقتصادية ومجتمعية متجددة ومتشعبة، تمنح الأولوية للمجتمع الذي تنمو فيه أعمالها، ولأنها الحافز المثالي لتشجيع المؤسسات على تبني أسس مهنية مسؤولة، توازن بين تحقيق الربح المادي وخدمة المجتمع، والحفاظ على البيئة.

أختم أخيراً بإضاءة واجبة على المادة (5) من قرار مجلس الوزراء في شأن المسؤولية المجتمعية للشركات والمنشآت، المتعلقة بممارسات المسؤولية المجتمعية، وهذه الممارسات هي: المساهمة في تطوير المجتمع في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وغيرها من خلال تقديم المساهمات النقدية والعينية لتمويل البرامج والمشاريع التنموية في الدولة، التي تنطبق عليها الشروط والضوابط والمعايير المعتمدة من المجلس.

تبني سياسات صديقة للبيئة في الإنتاج والعمل. تعزيز روح الابتكار والبحث العلمي، والمساهمة في تقديم حلول للمشكلات أو التحديات التي تواجه المجتمع.

إرساء ثقافة المسؤولية المجتمعية في الشركات والمنشآت، من خلال وضع استراتيجيات مستدامة للمسؤولية المجتمعية، وتوفير الفرص لتطوير حملات ومبادرات إنسانية ومجتمعية، والانخراط في البرامج التطوعية. إذاً، فالمسؤولية المجتمعية هي مسؤولية مهنية وأخلاقية، ومهمة سامية لكل مدير ومسؤول، لأنها جزء من رد الجميل للمجتمع.