هل سيصبح الهيدروجين وقود المستقبل؟

جون يون

تخيل عالماً يكون فيه الوقود المستخدم في التنقل هو الهيدروجين، أكثر العناصر وفرة في الكون، والذي لا ينبعث من سوى بخار الماء كمنتج ثانوي، وأنه يتم إنتاج هذا الوقود بواسطة الطاقة المتجددة.

لطالما حمل الهيدروجين آمالاً واعدة بأن يكون وقود المستقبل. إلا أنه رغم كل إمكاناته، يبدو أنه لا يزال عالقاً في عالم ما قد يكون.

شهد قطاع الطاقة العديد من الحلول التي تم الترويج لها كثورة حقيقية لاستبدال الوقود الأحفوري، لكنها لم ترق إلى مستوى التوقعات. على سبيل المثال، الإيثانول الذي كان ينظر إليه كبديل واعد للبنزين، لم يرق إلى مستوى الضجة التي أثيرت حوله. ومع توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارات تدعم الوقود الأحفوري في يومه الأول في المنصب، يرى النقاد أن السيارات التي تعمل بالهيدروجين تتجه نحو مسار مماثل.

في المقابل، رفضت شركات السيارات الآسيوية التخلي عن الهيدروجين كوقود المستقبل. وخصصت «هيونداي موتور» الكورية الجنوبية هذا العام 16.7 مليار دولار لمنتجات الجيل التالي، بما في ذلك البنية التحتية التي تعمل بخلايا وقود الهيدروجين.

ولا تزال «تويوتا» اليابانية تراهن على السيارات التي تعمل بالهيدروجين بعد أن استثمرت في تكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين لأكثر من ثلاثة عقود.

كما أن الدعم الحكومي في المنطقة قوي أيضاً. فقد بدأت كوريا الجنوبية في تقديم إعانات إضافية لشراء السيارات الهيدروجينية، بما في ذلك 20500 دولار من الدعم لسيارة هيونداي نيكسو.

ورغم هذا الإنفاق الجريء، إلا أن الواقع مخيب. على سبيل المثال، تواجه «ميراي» من تويوتا و«نيكسو» من هيونداي، اللتان تعملان بخلايا الهيدروجين، صعوبات في اكتساب الشعبية.

ورغم سنوات عدة من التطوير والتسويق، لم تبع تويوتا سوى 27.500 سيارة هيدروجينية خلال عقد، مقارنة بـ 17 مليون سيارة كهربائية بيعت العام الماضي. أما هيونداي، فقد شهدت تراجعاً بنسبة 43 % في مبيعاتها بالنصف الأول من العام الماضي، وفقاً لتقرير مؤسسة «إس إن إي» للأبحاث.

ورغم المزايا النظرية للهيدروجين كوقود مستقبلي، إلا أن تطبيقه يواجه ثلاث تحديات رئيسية: التكاليف المرتفعة، مخاوف السلامة، والمنافسة القوية من السيارات الكهربائية.

ويعد عامل السعر الأكثر تأثيراً، إذ تمثل تكلفة وقود الهيدروجين عنصراً حاسماً في التكلفة الإجمالية لامتلاك وتشغيل السيارات. ففي السوق الأمريكي، سجل متوسط السعر الشهري لوقود الهيدروجين المخصص للمركبات الخفيفة في كاليفورنيا سعراً قياسياً بلغ 34.55 دولاراً للكيلوغرام في أكتوبر، وفقاً لوكالة «بلاتس».

وتظهر الحسابات المبدئية فجوة كبيرة في تكلفة التشغيل بين سيارات الديزل والهيدروجين في السوق الأمريكي.

على سبيل المثال، يبلغ متوسط سعر الديزل في محطات الوقود الأمريكية 3.50 دولارات للجالون الواحد، وتستطيع المركبات التي تعمل به قطع مسافة 20 ميلاً بكل جالون. في المقابل، تستطيع سيارة «هيونداي نيكسو» موديل 2021 التي تعمل بالهيدروجين قطع مسافة 60 ميلاً بكيلوغرام من الهيدروجين. بناءً على هذه الأرقام، يجب أن يصل سعر الهيدروجين إلى 10.80 دولارات للكيلوغرام حتى تتساوى تكلفة التشغيل لكل ميل مع المركبات العاملة بالديزل.

ويزيد المشهد السياسي الأمر تعقيداً، حيث وقع دونالد ترامب سلسلة أوامر تنفيذية في يومه الأول كرئيس، أبرزها تجميد كل أشكال التمويل الفيدرالي لمشروعات الهيدروجين لحين المراجعة الشاملة.

ورغم بطء انتشار تقنية الهيدروجين في سوق السيارات الأمريكي، إلا أن هذه التقنية تشق طريقها بثبات في أوروبا وآسيا، خصوصاً في قطاع حافلات النقل العام، حيث شهدت السوق الأوروبية ارتفاعاً ملحوظاً في مبيعات المركبات الثقيلة التي لا تصدر أي انبعاثات ضارة بالبيئة، بما فيها المركبات العاملة بالهيدروجين، بنسبة وصلت إلى 54 % خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024. وفي السوق الصيني، ارتفعت مبيعات المركبات التجارية المزودة بخلايا وقود الهيدروجين بنسبة قاربت 30 % خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي.

ويتميز وقود الهيدروجين بسرعة تعبئة خزانات الوقود، وخفة وزنه، ما يجعله الخيار الأمثل للقطاع التجاري، لا سيما القطاعات التي تواجه فيها المركبات الكهربائية تحديات تقنية، مثل شاحنات النقل التي تقطع مسافات طويلة، وسفن الشحن البحري، والمعدات والآليات الثقيلة، إضافة إلى قدرة المركبات الهيدروجينية على العمل بكفاءة في المناطق الباردة، في حين تعاني البطاريات الكهربائية من انخفاض كفاءتها بشكل ملحوظ في درجات الحرارة المتجمدة.

ويشهد قطاع محطات تعبئة وقود الهيدروجين نمواً متسارعاً في القارة الآسيوية، حيث تتوقع الدراسات أن تستهلك المنطقة وحدها أكثر من نصف إنتاج الهيدروجين العالمي مع حلول عام 2050.

وتتصدر ثلاث دول آسيوية المشهد حالياً وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية، حيث تمتلك أكبر شبكة من محطات تعبئة الهيدروجين. وما يزيد جاذبية السوق الآسيوي انخفاض أسعار الهيدروجين بشكل كبير، فعلى سبيل المثال يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد في كوريا الجنوبية 7 دولارات فقط، ما يمنح شركات صناعة السيارات الآسيوية مثل «تويوتا» و«هيونداي» فرصة ذهبية للتوسع في سوق المركبات الثقيلة التي تعمل بالهيدروجين، والتي تعد مكملة لسيارات البطاريات الكهربائية وليست منافسة لها.

ويبدو أن القيمة الحقيقية للهيدروجين لا تكمن في تغيير وسائل تنقلنا اليومية كما كنا نتوقع، بل في إحداث تحول جذري في كيفية نقل الأشخاص والبضائع عبر القارات.

ورغم أن حلم الهيدروجين لم يحقق بعد في أن يصبح وقود المستقبل، إلا أن الباب ما زال مفتوحاً أمام إمكاناته الهائلة، وعندما يتم استخدامه في المجالات المناسبة، قد يلعب دوراً محورياً في تشكيل مستقبل النقل العالمي.