روح المغامرة في الأسواق تقترب من نقطة الخطر

كاتي مارتن

يبدو أن الوقت قد حان ليتريث المستثمرون في حماسهم المفرط، فقد بدأ عام 2025 بموجة تفاؤل كبيرة في الأسواق المالية، حيث سيطر المستثمرون المتفائلون على اتجاه السوق، ما تجسد في ارتفاع قيمة الأسهم الأمريكية بنسبة 4%، ليكون هذا الشهر واحداً من أفضل الأشهر الافتتاحية، التي شهدتها الأسواق الأمريكية خلال العقد الأخير.

وترافقت إعادة تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة مع بداية حقبة جديدة من الحماسة الاقتصادية، حسبما يشير المستثمر المخضرم ستان دروكنميلر، وفي حوار مع «سي إن بي سي» أوضح أن الحالة المزاجية للرؤساء التنفيذيين تتأرجح بين الشعور بالارتياح والنشوة بعد نتيجة الانتخابات. وفي منتدى دافوس الاقتصادي العالمي أكد مسؤول رفيع في بنك «جي بي مورغان» أن البنوك الأمريكية جاهزة للانطلاق بقوة في المرحلة المقبلة، أما في سوق العملات المشفرة فيتحدث الخبراء والمستثمرون عن اقتراب السوق من مرحلة توقع ارتفاع حاد في الأسعار.

ويواصل بنك «إتش إس بي سي» تبني نظرة متفائلة بشكل كبير تجاه الأسواق، فقد كشف فريق الأصول المتعددة في البنك مؤخراً عن توقعاته لبيئة «إيجابية للغاية» للأصول ذات المخاطر العالية، خلال النصف الأول من هذا العام.

ورغم مخاطرة تعكير المزاج المتفائل السائد في الأسواق، بدأ بعض المحللين الماليين - بمن فيهم المتفائلون أنفسهم - يشعرون بقلق متزايد، ويأتي في مقدمة أسباب هذا القلق أداء سوق السندات الحكومية العالمية، الذي شهد بداية مضطربة مع مطلع العام. وهذا الاضطراب ليس سلبياً بالكامل، إذ يعكس جزئياً استمرار النمو غير المسبوق في الاقتصاد الأمريكي، لكنه يشير في الوقت نفسه إلى توقعات باستمرار معدلات التضخم المرتفعة، ما يعني أن البنك المركزي الأمريكي سيجد صعوبة في خفض أسعار الفائدة - بغض النظر عن رغبة الرئيس ترامب في ذلك، كما تشير هذه التطورات إلى أن مديري الأصول والاستثمارات باتوا يطالبون بعوائد أعلى مقابل استثمار أموالهم في السندات الحكومية.

وبغض النظر عن الرواية المفضلة لديك فإن النقطة الأساسية هي أن مستثمري السندات قد وقعوا في الخطأ (مرة أخرى)، وإن الانخفاض الناتج في الأسعار قد دفع العوائد إلى الارتفاع (مرة أخرى)، فالمؤشر المرجعي الأهم - عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات - يستقر حالياً فوق مستوى 4.5 في المئة بكثير، ورغم أن هذا يمثل تحسناً في الأسعار منذ منتصف يناير، إلا أنه لا يزال مرتفعاً بما يكفي لتقويض مبررات زيادة الاستثمار في الأسهم.

وكشف تقرير نشر منذ أيام عن أن الأسهم الأمريكية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من حيث ارتفاع قيمتها مقارنة بالسندات، وهو ما لم نشهده منذ جيل. ومع الانخفاض الكبير في الأرباح المتوقعة للأسهم مقارنة بمعدل العائد الخالي من المخاطر يجد المستثمرون صعوبة متزايدة في تبرير ضخ المزيد من الاستثمارات في سوق الأسهم.

وأوضح بيتر أوبنهايمر، كبير خبراء استراتيجيات الأسهم العالمية في بنك «غولدمان ساكس»، أن أسواق الأسهم قد نجحت حتى الآن في تجاهل المنافسة المتزايدة من سوق السندات - ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التفاؤل القوي بشأن النمو الاقتصادي، غير أن هذا الوضع يجعل الأسهم الآن «عرضة للتأثر سلباً بأي ارتفاع إضافي في عوائد السندات».

وبالرغم من أنه قد يبدو مبسطاً كثيراً، إلا أن الكثير من التطورات في السوق تعتمد على الأرقام المستديرة، التي تعمل كمؤشرات نفسية مهمة للمستثمرين، وسيكون الاختبار الحقيقي عندما تصل عوائد السندات الأمريكية إلى 5%.

في هذه اللحظة سنشهد أحد سيناريوهين: إما أن يتراجع المتشككون في جدوى السندات عن موقفهم ويسارعوا إلى شراء الصفقات المتاحة، مما سيؤدي إلى انخفاض العوائد مرة أخرى، وإما أن تتصاعد موجة البيع لتؤثر سلباً على جميع فئات الأصول المالية، وبناء على تقديري أرى أن السيناريو الأول هو الأرجح.

ولم تصل الأسواق إلى تلك النقطة بعد، لكن ليزا شاليت، المديرة التنفيذية للاستثمار في مؤسسة «مورغان ستانلي لإدارة الثروات»، أكدت مؤخراً أننا «ما زلنا عند مستوى حرج».

وحذرت شاليت قائلة: «نحن نقترب فعلاً من النقطة التي يمكن أن يتحول فيها التباطؤ الطفيف في النمو مع الارتفاع البسيط في أسعار الفائدة إلى مزيج خطير يهدد الأسواق»، مبدية تشككها حول قدرة الأسهم بشكل عام، وخاصة الأسواق الأمريكية، التي تتركز فيها الاستثمارات بشكل كبير في قطاع التكنولوجيا، على مواصلة الأداء الاستثنائي، الذي حققته خلال العامين الماضيين.

وتوقعت شاليت أن تحقق الأسهم الأمريكية مكاسب تتراوح بين 5% و10% هذا العام، ورغم أن هذه النسبة ليست سيئة بأي حال من الأحوال، إلا أنها لا تُقارن بالأداء الذي تجاوز 20% خلال كل من العامين الماضيين.

عامل آخر يدق ناقوس الخطر هو مستوى التفاؤل ذاته، خاصة بين المستثمرين الأفراد، فقد أفادت الجمعية الأمريكية للمستثمرين الأفراد في استطلاعها الشهري الأخير أن المعنويات «ارتفعت بشكل كبير». ووفقاً للجمعية قفزت التوقعات بارتفاع أسعار الأسهم خلال الأشهر الستة المقبلة بنحو 18 نقطة مئوية حتى يناير.

وحتى مديري الثروات المتفائلين بمستقبل السوق، والذين يقدمون المشورة للعديد من هؤلاء المستثمرين، يجدون صعوبة في كبح حماسهم المفرط. وأوضح روس مايفيلد، استراتيجي الاستثمار في شركة «بيرد لإدارة الثروات الخاصة»، إنه رغم إيمانه باستمرار صعود السوق، إلا أنه يراقب بحذر عوائد السندات التي ارتفعت «بشكل مستمر دون سبب واضح»، كما أنه يلاحظ مؤشرات مقلقة على أن فكرة «الاستثنائية الأمريكية» أصبحت راسخة بشكل مفرط لدى عملائه، لدرجة أنهم يتساءلون عما إذا كانوا بحاجة أصلاً إلى تنويع استثماراتهم.

عموماً ينبغي ألا تدفعنا كل هذه المؤشرات إلى الهلع والهروب نحو الاستثمارات الآمنة فقط، لكن يجب أن ندرك أن الأسواق وصلت إلى مستويات مرتفعة يصعب الحفاظ عليها، كما أن احتمالات الأخطاء من الإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة تبدو مرتفعة، فالتفاؤل غير المنطقي نادراً ما تكون نهايته حسنة، مهما بلغت قوة الأسواق.