هل السيارات ذاتية القيادة أكثر أماناً من البشر؟

سارة أوكونور

تتسابق شركات التكنولوجيا العملاقة في تطوير السيارات ذاتية القيادة، وتقدم خلال مساعيها هذه وعوداً كبيرة بتحسين مستويات السلامة المرورية وحماية البشر. وترى شركة وايمو، وهي مشروع متخصص في تقنيات القيادة الذاتية تابع لشركة جوجل، أن مستويات السلامة الحالية على الطرقات غير مقبول وأن تقنيات القيادة الذاتية ستسهم بدرجة كبيرة في إنقاذ الأرواح.

في السياق نفسه، قدم إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، والمعروف بتصريحاته الطموحة، وعوداً أكبر عند إطلاق سيارة «سايبر كاب» في أكتوبر، مؤكداً أن السيارات ذاتية القيادة ستتفوق على البشر في مستويات السلامة بعشرة أضعاف، ما سيؤدي إلى إنقاذ عدد كبير من الأرواح.

إنه بالفعل هدف يستحق السعي نحوه ويبدو قابلاً للتحقيق. فوفقاً للإدارة الوطنية للسلامة المرورية، توفي 42,514 شخصاً في حوادث المرور على الطرق الأمريكية عام 2022. كان 29% منها بسبب السرعة الزائدة، و32% بسبب القيادة تحت تأثير الكحول.

في المقابل، السيارات ذاتية القيادة لا تقود تحت تأثير الكحول، ولا تتجاوز السرعة المحددة، ولا تشعر بالنعاس، ولا تنشغل بالهواتف، كما تتميز برؤية شاملة بزاوية 360 درجة. وكما قال لي سائق شاحنة ذات مرة: «عليك أن تمتلك عيوناً في مؤخرة رأسك»، وهو ما تمتلكه المركبات ذاتية القيادة بالفعل.

ورغم الوعود الكبيرة التي تقدمها شركات صناعة السيارات ذاتية القيادة، تواجه هذه الشركات تحديين رئيسيين. الأول يتعلق بالأداء المتميز للسائقين البشريين، والذي يفوق التوقعات عند النظر إلى الإحصائيات بشكل دقيق.

فمعدل الوفيات في الولايات المتحدة لكل 100 مليون ميل لم يتجاوز 1.33 حالة في عام 2022، وهو معدل ظل مستقراً عند مستوى 1 تقريباً خلال العقد الماضي.وتظهر أحدث البيانات من شركة وايمو أن مركباتها قطعت 33 مليون ميل فقط بدون سائق بشري حتى نهاية سبتمبر من العام الماضي.

وهذا يعني أنها لم تقطع بعد مسافة كافية تسمح بإجراء مقارنة إحصائية مع السائقين البشريين فيما يتعلق بمعدلات الوفيات.وتقدم شركة وايمو نتائج مشجعة فيما يتعلق بالحوادث البسيطة، حيث تشير تحليلات بياناتها إلى انخفاض معدل الحوادث التي تسبب إصابات والحوادث المبلغ عنها للشرطة مقارنة بالسائقين البشريين في المدن التي تعمل فيها.

وتؤكد الشركة نجاحها في تقليص الحوادث الخطيرة بشكل ملحوظ في مناطق عملها.غير أن الخبراء يشددون على ضرورة الحذر، حيث قال فيل كوبمان، الخبير في سلامة السيارات ذاتية القيادة: «هناك فرق جوهري بين أخطاء البشر وأخطاء الحواسيب.

فبينما تكون أخطاء السائقين البشر فردية، فإن السيارات ذاتية القيادة تعمل بنظام واحد معين، ما يعني أن أي خلل قد يؤثر على جميع السيارات في وقت واحد»، مضيفاً أن افتقار هذه المركبات إلى «الحس السليم» يمثل تحدياً كبيراً، رغم أنها لا تتعرض لمشاكل مثل القيادة تحت تأثير الكحول.

وهذا يقودنا إلى مشكلة ثانية، فحتى مع افتراض نجاح هذه الشركات في جمع بيانات كافية تثبت قدرة تقنياتها على إنقاذ الأرواح، تظل هناك حوادث تثير قلقاً عميقاً لدى الجمهور والخبراء على حد سواء. فمن حين لآخر، تنتشر في وسائل الإعلام أخبار عن أخطاء غريبة ترتكبها هذه السيارات، وهي أخطاء بسيطة يتجنبها معظم السائقين البشريين بشكل تلقائي.

وعلى سبيل المثال، شهد الجمهور سيارة أجرة تابعة لشركة وايمو تدور في حلقات مستمرة داخل موقف للسيارات، بينما كان راكبها في حالة من الحيرة والارتباك. وفي حادثة أخرى، اصطدمت سيارتان من وايمو بنفس الشاحنة الصغيرة التي كانت يتم جرها على الطريق بزاوية مختلفة قليلاً عن المعتاد، مما كشف عن قصور في قدرة البرمجيات على التعامل مع المواقف غير التقليدية.

وكان أخطر هذه الحوادث ما تعرضت له سيارة ذاتية القيادة من طراز «كروز» لشركة جنرال موتورز، عندما ألقت سيارة أخرى بأحد المشاة في مسارها، لتقوم السيارة ذاتية القيادة بسحب الضحية لمسافة 20 قدماً تحتها. وكشفت المراجعة التي أجرتها الشركة لاحقاً عن أن أي سائق بشري متيقظ كان سيدرك وقوع حادث ويتوقف فوراً للتحقق من الموقف، بدلاً من مواصلة القيادة كما فعلت السيارة ذاتية القيادة.

ويرى كوبمان أن هذا الأمر قد يبدو غير منصف، لكنه جزء من الطبيعة البشرية؛ فالحوادث التي من هذا النوع تبقى في الأذهان أكثر من الإحصائيات والأرقام المجردة، وهو ما يمثل تحدياً لشركات السيارات ذاتية القيادة التي تعتمد في تسويقها على فكرة «سياراتنا أكثر أماناً من السائقين البشر». فكل خطأ غريب ترتكبه هذه السيارات - مما لا يتوقع حدوثه من سائق بشري - يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور في هذه التقنية.

وفي المقابل، لا تجد الحوادث التي تم تفاديها بفضل هذه التكنولوجيا طريقها إلى عناوين الأخبار.وتنعكس هذه المخاوف بوضوح في نتائج الاستطلاعات السنوية التي تجريها جمعية السيارات الأمريكية، والتي تكشف عن تراجع ثقة الجمهور في تقنيات القيادة الذاتية مع مرور الوقت.

فقد انخفضت نسبة السائقين الأمريكيين الواثقين في المركبات ذاتية القيادة من 14% في عام 2021 إلى 9% فقط في عام 2024، في حين ارتفعت نسبة من يصرحون بخوفهم من هذه التقنية من 54% إلى 66%.وهكذا، وبالرغم من أن شركات السيارات ذاتية القيادة تطرح نفسها كمنقذ للأرواح على الطرقات، إلا أن مهمة إقناع الجمهور بمنح هذه التقنية فرصة حقيقية تبقى أكثر صعوبة مما تتصور هذه الشركات.