هل بات العالم بحاجة إلى علامة «صنع بواسطة البشر»؟

سارة أوكونور

هل هذا المقال كتبه بالفعل إنسان؟ كيف يمكنك التأكد من ذلك؟ مع تزايد صعوبة التمييز بين البشر والذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر مجموعة واسعة من «الحلول» المختلفة، بعضها أكثر غرابة من غيرها.

وبدأ المؤلفون ينشرون مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يكتبون كتبهم في الوقت الفعلي لإثبات أنهم لا يستخدمون النماذج اللغوية الكبيرة. وابتكر سام ألتمان جهازاً يسمى «الكرة (The Orb)» ليتحقق من أنك إنسان عن طريق مسح مقلتي عينيك. وبموجب قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي، سيتعين تصنيف أنواع معينة من المحتوى المنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي على هذا النحو بدءاً من العام المقبل.

لكن النقاش الأكثر إثارة للاهتمام حول هذا الموضوع يدور في صناعة ألعاب الفيديو، حيث يتكشف نقاش سيحتاج الكثير منا على الأرجح إلى خوضه قريباً.

في يناير 2024، بدأ متجر ستيم (Steam) - وهو المتجر الرقمي الأبرز لألعاب الكمبيوتر - في إلزام المطورين بالإفصاح عما إذا كانوا قد استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي في إنشاء ألعابهم (وكيف). وبحسب إيشيرو لامب، الخبير المخضرم في صناعة الألعاب والذي يتابع عن كثب توجهات الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي، فقد أفصحت حوالي ألف لعبة عن استخدامها للذكاء الاصطناعي التوليدي بحلول أبريل 2024. وقد ارتفع هذا العدد بشكل كبير ليصل إلى أكثر من 11 ألف لعبة، أي ما يقارب 9 % من مكتبة ألعاب ستيم بأكملها.

ووفقاً لهذه الإفصاحات، يستخدم المطورون الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المهام، بدءاً من المساعدة في البرمجة والمواد التسويقية، وصولاً إلى توليد العناصر المرئية، والبنية، والموسيقى الخلفية، وأصوات الشخصيات باستخدام أدوات تحويل النص إلى كلام، لكن بعض العاملين في هذا المجال بدأوا يعترضون على فكرة تصنيف الذكاء الاصطناعي برمتها.

وإحدى الحجج هي أن هذه التصنيفات لا معنى لها لأن استخدام الذكاء الاصطناعي أصبح شائعاً جداً في عملية التطوير. وكتب تيم سويني، الرئيس التنفيذي لشركة إيبك غيمز، مطورة لعبة فورتنايت الشهيرة، مؤخراً على موقع إكس أن تصنيف الذكاء الاصطناعي «لا معنى له بالنسبة لمتاجر الألعاب، حيث سيُستخدم الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل الإنتاج تقريباً».

من الاعتراضات الأخرى أن المطورين الصغار، الذين قد يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي لمنافسة موارد الشركات الكبرى، قد يتعرضون لوابل من الانتقادات اللاذعة من معارضي الذكاء الاصطناعي. وثمة شكوى ثالثة تتمثل في استحالة التحقق من صدق المستخدمين بشأن استخدامهم للذكاء الاصطناعي، مما يحول الأمر إلى ما يشبه «ضريبة الصدق» على من يفصحون عنه.

فماذا الذي نستنتجه من هذه الشكاوى؟ من المؤكد أن بعض الناس لا يكترثون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الألعاب، بينما يبدي آخرون اعتراضاً شديداً عليه. ويعتقد بعض هؤلاء المعترضين أن استخدام الذكاء الاصطناعي مؤشر على قلة الجهد أو رداءة الجودة. ويعترض آخرون على طريقة تدريب نماذج التعلم الآلي على محتوى من صنع البشر دون إذن. ويرى البعض أن ذلك يؤدي إلى فقدان وظائف للمطورين والفنانين ومؤدي الأصوات.

وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود انقسام مماثل بين الجمهور فيما يتعلق بمشاركة الذكاء الاصطناعي في الفن والموسيقى. فقد وجد استطلاع أجرته مؤسسة «بيو» أن 49 % من الأمريكيين يقل إعجابهم بلوحة فنية إذا علموا أنها من صنع الذكاء الاصطناعي، بينما قال 48 % إن آراءهم لن تتغير. ومن الغريب أن الشباب أبدوا ردود فعل سلبية تجاه الذكاء الاصطناعي: فقد صرّح 66 % من البالغين دون سن الثلاثين أن إعجابهم بلوحة فنية يتراجع إذا علموا أنها من صنع الذكاء الاصطناعي، مقارنةً بـ 36 % من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر.

وفي عالمٍ لا يكترث فيه البعض بمصدر المحتوى، بينما يهتم به آخرون بشدة، تبدو الشفافية حلاً جيداً. فكما هي الحال مع من يرغبون بتجنب مكونات معينة في طعامهم، تُعد الملصقات مفيدة لمن يريدون معرفة ذلك، ويمكن تجاهلها ببساطة من قِبل من لا يرغبون.

ومن مزايا الشفافية الأخرى أنها تخلق سوقاً للمبدعين البشريين: فإذا كانت هناك نسبة كبيرة من المستهلكين ترغب في الاستمرار باستهلاك المحتوى الذي صنعه البشر، فعليهم أن يكونوا قادرين على تمييزه، وإلا سيخسر كل من المبدعين والمستهلكين. في الواقع، مع ازدياد انتشار استخدام الذكاء الاصطناعي، يُمكن تصور ملصقات «صُنع بواسطة البشر» للمنتجات الإبداعية.

لكن تجربة صناعة ألعاب الفيديو تُشير إلى أن الأمر لن يكون بهذه البساطة. وقال لامب: «يكمن التحدي في أن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بالضرورة خياراً ثنائياً». ففي أحد طرفي النقيض، قد تجد مطوراً استخدم برنامج «ميد جيرني» Midjourney لإنشاء جميع صور اللعبة. وفي الطرف الآخر، قد تجد من استعان ببرنامج «شات جي بي تي» فقط للحصول على نصيحة حول كيفية حل خطأ برمجي. فهل سيهتم المستهلكون حقاً بكلا الخيارين بنفس القدر؟ وأين يكمن الحد الفاصل؟ وماذا لو تغير هذا الحد بمرور الوقت؟

ويرى لامب أن الحل الأمثل قد يكون التوجه نحو تصنيف أكثر تفصيلاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في عملية التطوير، لتمكين الناس من تحديد ما يريحهم وما يريدون تجنبه، والتحدث عنه.

إن الشفافية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي حل بشري معقد لا يمكن تصنيفه إلى أبيض وأسود بشكل قاطع، لكن طالما أن نسبة كبيرة من الناس تهتم بمعرفة ما إذا كانت المنتجات الإبداعية من صنع البشر أم الآلات، فمن المؤكد أن هذا أفضل من الاستسلام تماماً.