حضور بهي ما زالت تتألق من خلاله القصيدة النبطية في عالم الموسيقى والغناء، وسط مستجدات إبداعية متسارعة فرضتها روح العصر المفتون بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
«البيان» استطلعت آراء مبدعين بارزين في الساحة الفنية الإماراتية على مستوى الشعر والتلحين والطرب، ليناقشوا العوامل التي تسهم في بقاء هذا اللون الأصيل محتفظاً بمكوناته وشعبيته المرموقة على امتداد الأجيال.
منوال إيقاعي فريد
وأكد الملحن الإماراتي إبراهيم جمعة أن القصيدة النبطية استمرت على مر الزمن بفضل طابعها الفني الخاص المكتسب من بيئة الجزيرة العربية، ومن الحكم والأمثال البديعة لدى أهل البحر، لافتاً إلى ضرورة انتقاء كلمات القصيدة لتصل بسهولة إلى وجدان المستمع وتنال إعجابه عند غنائها، وأن تتضمن المصطلحات الشعبية المتعارف عليها في المجتمع الخليجي، وتكون صورة صادقة من لهجة أهل تلك البقعة الجغرافية. وأوضح أن إيقاع القصيدة النبطية يفرض نفسه عند تلحينها وغنائها، كما هو ظاهر في كثير من الأعمال الغنائية الخالدة، مثل: «سيدي يا سيد ساداتي» و«ما هقيت إن البراقع يفتنني» و«مجموعة إنسان»، مبيناً أن الأغنية النبطية مع تعدد المقامات الموسيقية التي لُحّنت على أساسها، مثل: الحجاز والعجم والنهاوند وغيرها، فإنها تظل ذات منوال نغمي واحد ونوع إيقاعي خاص تتميز به.
وسلَّط الضوء على الإيماءات التي يُحدثها صوت المطرب عندما يتغنى بقصيدة نبطية، إذ يُكسب الأغنية لوناً إبداعياً، ويفتح مجالاً للتعبير الحركي بواسطة الرقصات الشعبية التي تتفاعل مع الغناء، مؤكداً أهمية أن يعود الملحن إلى البيئة التي أنتجت القصيدة النبطية قبل أن يشرع في تلحينها ليدرك أبعادها الفنية اللازمة.
دعم القيادة الرشيدة
وأكد الشاعر الإماراتي حسان العبيدلي أن القصيدة النبطية استطاعت أن تثبت وجودها في عالم الغناء وتتفوق حتى على القصيدة الفصحى من حيث الانتشار، مشيراً إلى الأغاني التي شدت بها أصوات مطربين كبار، مثل أبو بكر سالم وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد، وذاع صداها في الوطن العربي بكامله.
ونوَّه بأن الشغف بالشعر النبطي لدى القيادة والشعب في الإمارات، وفي الخليج العربي عموماً، كان له أثر واضح في الاهتمام بالأغنية النبطية واستمرارها، مؤكداً أن الدعم الذي نالته على مستوى الشعر والتلحين والطرب زاد من التفاعل معها، وحقق خلودها الفني وشعبيتها لدى الأجيال المتعاقبة.
وأشاد بالاهتمام الواضح تجاه الأغنية النبطية من القيادة الرشيدة في الدولة، مشيراً إلى الدعم والحرص الكبيرين في الشأن من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.
طرق مبتكرة
من جهته، أكد المطرب والملحن الإماراتي جاسم محمد أن القصيدة النبطية نجحت في الحفاظ على مكانتها في عالم الغناء، لكنها باتت تحتاج إلى جهود مستمرة لترويجها للأجيال الجديدة، مشيراً إلى أن القصيدة النبطية تمتلك قيمة فنية وشعرية فريدة تمثل جوهر الهوية الثقافية للخليج. مع ذلك، فعلى الفنانين، في ظل التغيرات الموسيقية الحديثة، أن يعيدوا تقديمها بطرق مبتكرة تناسب العصر دون المساس بجوهرها.
وأوضح أن العوامل التي حققت للأغنية النبطية الاستمرار والنجاح تكمن في أصالة الكلمات وقربها من وجدان الجمهور الخليجي، إضافة إلى اللحن الذي يُبرز الجمال الشعري، لافتاً إلى أن التزام الفنانين بتقديم القصيدة النبطية بأسلوب يعكس روح التراث أدى دوراً كبيراً، إلى جانب وسائل الإعلام، في تسليط الضوء عليها وتفاعل الجمهور، الذي يعد شريكاً في نجاح أي عمل فني.
فرادة
ورأت الشاعرة الإماراتية ريانة العود أن القصيدة النبطية تتميز بأن لها وقعاً خاصاً في سمع من يعشق الكلمة، وأن هذه السمة التي تميّزها هي ما جعلها تحقق نجاحاً واضحاً في الحفاظ على مكانتها في عالم الغناء، مؤكدة أن من عشاق الكلمة المغناة مَن يستشعر في الأغنية النبطية نشوة إبداعية فريدة قد لا يجدها في غيرها من القصائد المغناة.
وأوضحت أن القصيدة النبطية تميزت بملامح فنية خاصة كانت هي العوامل التي حققت لها الاستمرار والنجاح مع دخولها إلى مجال الغناء، مشيرة إلى أن الأغنية النبطية ظلَّت حاضرة ومحافظة على وجودها ذي الشعبية الواسعة، على الرغم مما نشأ بعد ذلك من تطورات موسيقية وغنائية لافتة ومستمرة أدت إلى ظهور أشكال مختلفة من الأغاني.
واعتبرت أن الخصوصية المحلية التي تظهر في اللون النبطي من الشعر، وما تتميز به من نمط له نكهة مختلفة عن سائر أنواع الإبداع.