يتفنن كثيرون في وصف اللحظة الشعورية التي تتقد فيها مخيلة المبدع، فتشرق عليه أنوار التجلي والبراعة، ويبالغون في تصوير ما يعتريهم خلالها عندما يحين ميلاد القصيدة أو الرواية أو المنحوتة أو غيرها من الإبداعات، وهنا يبرز السؤال الملحُّ بشأن وقت المبدع وكيفية المواءمة بين تنظيمه واقتناص تلك اللحظة التي يتدفق فيها الإلهام.
«البيان» استطلعت آراء مبدعين في الساحة الثقافية الإماراتية، فأكدوا ضرورة أن يكون المبدع قادراً على إدارة وقته باحترافية، ليتمكن من إثراء تجربته وتنميتها بصورة متميزة، موضحين أن الإلهام ليس سوى حالة السكون التي يصنعها المبدع نفسه عندما يحسن توظيف عنصر الوقت ويوازن بينه وبين الإبداع.
ضرورة إبداعية
وأكد الكاتب والشاعر والناقد الإماراتي علي العبدان أن تنظيم وقت المبدع لا يتسبب في تحويل الإبداع إلى صنعة خالية من الفن، مشيراً إلى أن تنظيم الوقت أمر ضروري للمبدع الناضج الذي تقع على عاتقه مسؤوليات وواجبات اجتماعية؛ ليتمكَّن من الفصل بين مدد زمنية لأغراض مختلفة، ويمارس التأمل والتفكير في إبداعه بطريقة غير فوضوية.
وأوضح العبدان أنه لا يرى أن هناك لحظات للتجلّي والإلهام تأتي من تلقاء نفسها فينتهزها المبدع في تجويد عمله الفني، لافتاً إلى أن التفرُّغ للنفس قليلاً هو الذي يجلب صفاء الذهن للإنسان عموماً، وللمبدع خصوصاً، ومن ثم يتحقق المناخ الجيد للإبداع بفعل استغلال الوقت بصورة صحيحة.
وبيَّن أن الخطة الممنهجة التي يفضّل اتباعها في ممارسة إبداعه تتلخص في أنه يحاول الانتهاء من مشاغله اليومية العائلية والوظيفية وغيرها، ثم يفرّغ لنفسه وقتاً للقراءة والبحث، مؤكداً أهمية الاستفادة من أيام الإجازة التي تكون فيها ممارسة الإبداع ترفيهاً وترويحاً عن النفس؛ وذلك لأن العمل الإبداعي في حقيقته ليس وظيفياً بحتاً، بل عمل جمالي.
قدرة على الإتقان
من جانبها، رأت الفنانة التشكيلية عزة القبيسي أن المبدع يحتاج إلى تنسيق وقته في كل الأمور، سواء ما يخص حياته أو عمله والتوازن بينهما، موضحة أن المبدع إذا كان منظماً في وقته يستطيع أن ينمّي تجربته الفنية في مدة قصيرة؛ لأن الإبداع يحتاج إلى قدرة على الإتقان لا تتوافر إلا بإدارة الوقت.
وأكدت القبيسي ضرورة أن يسجل المبدع ملاحظاته وأفكاره بصورة منتظمة؛ ليتمكن من الرجوع إليها في الوقت المناسب، ويعمل على تنفيذها ولا يفقدها، مشيرة إلى أن هذا الأسلوب يشكّل الخطة المنهجية الوحيدة التي تحرص على اتباعها في ممارسة عملها الإبداعي؛ للمواءمة بين الوقت والمهام المراد تنفيذها.
وأضافت أن من أهم ما تداوم على الالتزام به في خطتها الإبداعية الاستمرار في حضور الورش الفنية داخل الدولة وخارجها متى ما أتيح لها ذلك، مؤكدة أن هذا الأمر يمثل عنصراً مهماً لتطوير خبرة الفنان وتعزيز تواصله مع غيره من الفنانين.
مهارة المبدع
من جهته، قال الشاعر سعيد معتوق إن الشعر ليس مهنة يستطيع الشاعر من خلالها أن يعتاش، خاصة إذا كانت لديه أسرة يعولها، وبالتالي فإن عليه أن يوفق بين أسباب المعيشة والتفرغ بقدر المستطاع لإبداعه، موضحاً أن مهارة المبدع تكمن في تنظيم الوقت واختيار ما هو مناسب للقراءة؛ لكيلا تكون القراءة مضيعة للوقت.
وأضاف معتوق أن الشعر يختلف عن بقية فروع الأدب فيما يخص لحظات الإلهام، لافتاً إلى أن أغلبية القصائد لا تأتي في وقت يختاره الشاعر نفسه، بل تأتي على هيئة البيت الأول للقصيدة، ثم يختار الشاعر الوقت المناسب لتكملتها. وذكر أن الخطة المناسبة له لممارسة إبداعه تعتمد على القراءة أولاً مدة ساعتين يومياً على مدار العمر، منوهاً بأهمية الإكثار من قراءة الشعر ونقده، بغض النظر عن الإنتاج الشعري كثر أو قل.