التاريخ نافذة تطل على الماضي بأحداثه الكبار وتفاصيله الدقيقة، فتفتح أمام المبدع آفاقاً واسعة من الخيال، ومعيناً لا ينضب من الشخصيات والأماكن والأزمنة، التي يُحسن نسجها بحبكة فنية، فيصنع عملاً أدبياً مميزاً.
واستطاع الأديب الإماراتي أن يكون خير شاهد على تاريخ وطنه، حين وظَّف عناصره في أعمال سردية تستحق أن يُسلَّط عليها الضوء، وأثبت إبداعياً أن ملامح الماضي الأصيلة والثرية كانت مختبئة بين سطور قصصه القصيرة ورواياته.
وكان تاريخ دبي، خصوصاً، حاضراً في تلك الإبداعات بصورة واضحة، واجتذبت أحداثه كتَّاباً مبدعين نجحوا في استلهامه وتحويله إلى عمل سردي، ومن بين تلك الأعمال على سبيل المثال لا الحصر رواية «ثلاثية الدال» التي تناولت فيها الكاتبة الإماراتية نادية النجار حادثة احتراق السفينة «دارا» وغرقها في سنة 1961، قبل رحلتها المقررة إلى الهند، كما وثَّق تفاصيل الرحلة الأخيرة للسفينة الباحث الإماراتي علي محمد راشد في كتابه «دارا.. تايتانيك الخليج، الرحلة الأخيرة».
جوانب ملهمة
وقال الكاتب والباحث الإماراتي الدكتور حمد بن صراي، لـ«البيان»، إن تاريخ الإمارات حيوي وحَيٌّ، ويشتمل على كثير من الأحداث والوقائع، وتشكِّل مراحله المختلفة مصدر إلهام للكتَّاب والروائيين، داعياً إلى ضرورة التفات الباحثين إلى قضية استلهام التاريخ الإماراتي في الأعمال السردية بالاعتماد على نماذج أدبية في هذا الشأن الذي لم ينل حظه من الدراسة البحثية.
ولفت بن صراي إلى الجانب الاجتماعي في تاريخ الإمارات الذي يتعلَّق بحياة المدن الساحلية، وتنقُّل الناس وأسفارهم إلى الهند وشرقي أفريقيا، وتواصلهم بعضهم مع بعض، وكفاحهم مع الحياة في القيظ (الصيف) والشتاء، ونشاطاتهم اليومية مثل الغوص وصيد الأسماك والزراعة والرعي، موضحاً أن كل ذلك يبث إلهامات عديدة لكتَّاب الأعمال السردية.
وقال إن الجانب السياسي أيضاً المرتبط بالتعامل مع الآخر وإنجاز الوحدة، وما اشتملت عليه الوثائق البريطانية من إثباتات تاريخية، يُعَدُّ واقع حياة يفتح آفاقاً في صوغ الروايات والقصص القصيرة، منوهاً بتجربة الكاتب الروائي الإماراتي علي أبو الريش التي تناولت في أعمال عدة تراث الإمارات وتاريخها.
مصدر غني
من جانبها، رأت الكاتبة الإماراتية شيخة الناخي أن التاريخ الإماراتي يُعَدُّ مصدراً غنياً ورافداً لتعزيز الهوية الثقافية، وأنه مصدر إلهام لكتَّاب الرواية والقصة القصيرة، مؤكدةً أن الأعمال السردية في الإمارات أبرزت الكثير من تفاصيل الماضي في سياق أدبي معاصر.
وأوضحت الناخي أن الرواية الإماراتية اعتمدت بشكل كبير على هذا التراث لتشكل شخصياتها وبناء أحداثها وخلق عواملها السردية، ما أسهم في ترسيخ القيم والتقاليد في الذاكرة الحية، مشيرةً إلى أن أكثر الجوانب التي ركَّز عليها الكتَّاب في كتاباتهم الإبداعية الأماكن والبيئة المحلية، والصحراء، والبحر، والأسواق.
ولفتت إلى أن حكايات الجن واستنطاق النخلة وقصص الغوص وغيرها من الملامح التراثية والمفردات الإماراتية الأصيلة في الحوارات جرى توظيفها إبداعياً في أدب السرد، موضحةً أن الكاتب الإماراتي نجح في المواءمة بين حكاية التاريخ بأمانة واستعمال خياله الإبداعي، وأن الرواية الإماراتية من أهم الروايات التي تناولت حياة الإنسان وأسلوب حياته الشخصية والاجتماعية التي أثْرت الرواية بشكل واضح وجاذب.
بيئة قديمة
من جهته، أوضح الكاتب إبراهيم مبارك أن البيئة الإماراتية القديمة كانت حاضرة ومؤثرة في أعمال الكتَّاب الإماراتيين الأوائل بصورة واضحة، لافتاً إلى أن كتاباتهم السردية نظرت برؤية إبداعية إلى الواقع القديم من الحياة في الإمارات، واستطاعت تسجيله وتوثيق تفاصيله.
وقال مبارك إن الشباب الجدد من الأدباء سيتأثرون هم أيضاً بلا شك بالظروف التاريخية التي عاصروها والمتغيرات الواقعية التي عاشوا أحداثها، مؤكداً أن تأثر الأديب بواقعه المعيش أمر طبيعي؛ لأن الإنسان ابن بيئته، وأن الكاتب لا يستطيع الانفكاك من العوامل المحيطة به في عملية الإبداع.
وأضاف أن المكان بجغرافيته هو أشد ما يجذب الكاتب ويؤثر في إنتاجه الأدبي، وإن ارتباط الأماكن القديمة بالماضي يحفِّز المبدع على الكتابة عنها لتخليدها بالأعمال السردية؛ وذلك بسبب إدراكه أنها ستزول يوماً ما، مبيناً أن تلك السمة ظهرت كثيراً في الأعمال الأدبية الإماراتية، إذ يعمد الكاتب إلى رصد كل المتغيرات من حوله والتأريخ لها، معبِّراً بذلك عن حرصه على الماضي الذي يوشك أن يتغير.