«ألغام» المرحلة الثانية تضع غزة أمام انفجار الحرب مجدداً

نساء فلسطينيات يعبرن بين أنقاض المباني المدمرة في يوم ممطر شرق مدينة غزة
نساء فلسطينيات يعبرن بين أنقاض المباني المدمرة في يوم ممطر شرق مدينة غزة

بعد مرور أكثر من شهر على وقف إطلاق النار في غزة، تتكشف صعوبة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ يواجه المسار السياسي عقبات كبرى أبرزها غياب الجداول الزمنية وآليات التنفيذ، وتعثر خطة نزع سلاح «حماس» وتشكيل سلطة انتقالية قادرة على إدارة القطاع.

ويبقى اتفاق وقف إطلاق النار مهدداً بالانهيار بين عشية وضحاها، مع إعلانات إسرائيل المتكررة أنها سترد على أي «خرق» بضربات عنيفة، كما تسعى تل أبيب إلى إبطاء الانتقال إلى المرحلة الثانية من (اتفاق غزة) عبر إيجاد معوّقات ميدانية وسياسية تتيح لها فرض واقع جديد في قطاع غزة يشبه (النموذج اللبناني).

وتتعدد مطالب الوسطاء بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار» في قطاع غزة، في ظل تعقيدات ما زالت تواجهها «المرحلة الأولى» بشأن تسليم جثث الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس».

وعدم التوافق على تفاصيل المرحلة التالية، وسط مخاوف من تكرار ما حدث في اتفاق يناير الماضي الذي نقضته إسرائيل، حيث ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ورئيس أركان الجيش إيال زامير إلى إمكانية استئناف العمليات العسكرية في قطاع غزة قريباً.

الغموض البنيوي هو ما يجعل الخبراء يعتبرون أن الاتفاق في صورته الحالية قابل للتعثر قبل أن يبدأ، لا سيما أن المحادثات بين تل أبيب وواشنطن بشأن المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول قطاع غزّة وصلت إلى طريق مسدود، فبينما بدأت واشنطن تضغط من أجل تطبيق المرحلة التالية من الاتفاق، لا تزال هناك خلافات جوهرية مع إسرائيل حول كيفية المضي قُدُماً.

وأوضحت صحيفة «لوموند» أمس، أن المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام في غزة، والتي كان من المقرر أن تبدأ عند إعادة آخر جثمان، باتت محور تكهنات وشكوك كثيرة، فعلى الرغم من انتهاكات وقف إطلاق النار التي أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأكثر من 240 فلسطينياً.

التزم الجانبان بشكل عام بوقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، ولمحت إلى أن الأخطر أن الإدارة الأمريكية تربط إطلاق المرحلة الثانية بترتيبات ميدانية ليست «إسرائيل» الطرف المركزي فيها:

تتضمن المرحلة التالية من الخطة انسحاب إسرائيل بشكل أكبر انطلاقاً، مما يسمى بالخط الأصفر المتفق عليه في خطة ترامب، إلى جانب إنشاء سلطة انتقالية لحكم غزة، ونشر قوة أمنية متعددة الجنسيات تهدف إلى تسلم المسؤولية من الجيش الإسرائيلي.

وكذلك نزع سلاح «حماس» وبدء إعادة الإعمار. لكن الخطة لا تتضمن أي جداول زمنية أو آليات للتنفيذ. وفي الوقت نفسه ترفض «حماس» نزع سلاحها، وترفض إسرائيل أن يكون للسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب أي دور.

ولا يزال الغموض يكتنف القوة متعددة الجنسيات. تصريحات الجيش وحكومة إسرائيل، والدعم الأمريكي المرافق لها، تؤكد أن المرحلة الثانية ليست ضمن حسابات تل أبيب، ويأتي ذلك في وقت يزداد فيه الضغط الإقليمي والدولي لدفع المفاوضات قُدماً، وسط حسابات «إسرائيلية» معقدة تتعلق بالانتشار العسكري، وترتيبات ما بعد الحرب، ومستقبل المشهد الفلسطيني.

وثائق حساسة

صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية نشرت وثائق داخلية حساسة، في خطوة تكشف تبايناً بين الخطاب الرسمي المتفائل والواقع الميداني المعقد، حيث كشفت الوثائق عدم وجود أي مسار واضح للمضي قدماً للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وتشير إلى صعوبات تعوق نشر قوات دولية في القطاع مثل التفويض القانوني وقواعد الاشتباك وكيفية تشكيلها، مكان انتشارها، وكيفية تنسيقها.

إلا أن الوثائق أكدت أن إدارة ترامب ملتزمة باتفاق السلام بالرغم من تعقيداته، إلى جانب المخططات التنظيمية لإشراف واشنطن على إعادة إعمار قطاع غزة. وسط أنباء عن أن الإسرائيليين سيعملون على إطالة أمد المفاوضات وإغراقها في تفاصيل مملة بهدف إجهاض المرحلة الثانية تدريجياً، بالتوازي مع تكثيف القصف الجوي، والمماطلة في إدخال المساعدات والمعدات، للحفاظ على حالة التوتر الميداني.

هذه الوثائق، المتداولة بين كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، ترسم صورة قاتمة ومحفوفة بالمخاطر، حيث تُبدي قلقاً عميقاً من احتمال انهيار اتفاق غزة الأخير، ممّا يهدّد مسار اتفاق الهدنة الشامل الذي وُقِّعَ في شرم الشيخ.

وقد يكون إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين الخطوة الأسهل في مسار اتفاق السلام الذي يشرف عليه ترامب، مقارنة بما تحمله المرحلة الثانية من تعقيدات وتحديات.