منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 وضعت القيادة الرشيدة تطوير البنية التحتية في مقدمة أولوياتها، إدراكاً منها أن بناء دولة عصرية قادرة على المنافسة يتطلب إنشاء شبكة طرق متطورة وموانئ ومطارات متقدمة ومنشآت خدمية قادرة على تلبية احتياجات المجتمع والاقتصاد.
وقد كان هذا التوجه جزءاً أصيلاً من رؤية القادة المؤسسين الذي آمنوا بأهمية أن تمتلك الدولة بنية أساسية قوية تفتح الأبواب أمام التنمية الشاملة، وتمهد الطريق أمام بناء مجتمع مزدهر.
جودة الطرق
وعلى مدار العقود الماضية، عملت القيادة الرشيدة بنهج التطوير المستمر لكافة مرافق البنية التحتية، فشهدت الدولة توسعاً متسارعاً في مشاريع النقل والطرق والجسور والأنفاق والموانئ والمطارات.
وانتقلت من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الريادة العالمية في مجال البنية التحتية، لتصبح اليوم واحدة من أفضل دول العالم في جودة الطرق والخدمات والاتصالات والتحول الرقمي، مستفيدة من التخطيط الاستراتيجي والاستثمار الحكومي الضخم واعتمادها على أحدث الممارسات العالمية.
وحرصت القيادة الرشيدة منذ السنوات الأولى لقيام الاتحاد على إنشاء شبكة طرق حديثة تربط إمارات الدولة ببعضها، وتربط المدن بالمناطق الصناعية والاقتصادية، ما أسهم في تسهيل الحركة التجارية والتنقل اليومي بين مختلف المناطق، ومع مرور الوقت، ازداد حجم الاستثمارات في هذا القطاع بشكل كبير.
فتطورت شبكات الطرق حتى وصلت إلى مستوى جعل الدولة تتصدر لسنوات عدة المؤشرات العالمية في جودة الطرق، وهو ما أكده المنتدى الاقتصادي العالمي الذي صنف الإمارات ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في جودة البنية التحتية للنقل، مع تحقيقها المركز الأول عالمياً في جودة الطرق في أكثر من تقرير خلال السنوات الأخيرة.
وترجع هذه المكانة إلى الالتزام الصارم بمعايير تصميم وتنفيذ وصيانة الطرق، وإلى اعتماد أنظمة النقل الذكية التي تراقب الحركة المرورية وتديرها بفعالية وتستخدم الذكاء الاصطناعي في تحسين الانسيابية وتقليل الازدحام ورفع مستوى السلامة.
وإلى جانب ذلك أولت القيادة الرشيدة اهتماماً كبيراً بتطوير الجسور والأنفاق لما لها من دور أساسي في تعزيز حركة النقل داخل المدن وبينها، وخاصة في المناطق ذات الكثافة المرورية أو القريبة من السواحل والموانئ، وشهدت إمارات الدولة تنفيذ مشروعات عملاقة للجسور متعددة المسارات والأنفاق العميقة.
الأمر الذي جعل النقل البري أكثر سلاسة وسرعة، مع توفير بيئة مرورية آمنة تتوافق مع أعلى معايير السلامة العالمية، وعكست هذه المشروعات الرؤية المستقبلية التي تتبناها الدولة لتوفير بنية تحتية طويلة الأمد وقادرة على تلبية احتياجات النمو السكاني والتوسع الاقتصادي.
شبكة عالمية
أما المطارات فقد شكلت جزءاً أساسياً من استراتيجية الدولة لتعزيز موقعها العالمي كمركز محوري للطيران والسفر، فقد أصبح مطار دبي الدولي الأكثر ازدحاماً في العالم من حيث حركة المسافرين الدوليين لسنوات متتالية بفضل قدرته التشغيلية العالية.
ووجود شبكة عالمية ضخمة من الرحلات التي تربطه بمختلف وجهات العالم، وتم تزويد المطار بأحدث التقنيات، مثل البوابات الذكية وأنظمة التعرف على الوجوه والروبوتات الخدمية، ما جعل تجربة السفر عبره أكثر سهولة وسرعة.
كما يشكل مطار أبوظبي الجديد «مطار زايد الدولي»، نموذجاً لمطار المستقبل بتصميمه الحديث الذي يعتمد على الأتمتة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وقدرته على استيعاب ملايين المسافرين سنوياً بكفاءة عالية، إضافة إلى الالتزام بالاستدامة عبر استخدام أنظمة ذكية لإدارة الطاقة والمياه والنفايات.
أنظمة ذكية
وفي مجال الموانئ لعبت الإمارات دوراً رائداً في تطوير منشآت بحرية تعد اليوم من الأهم إقليمياً وعالمياً، ويبرز ميناء جبل علي في دبي باعتباره أحد أكبر الموانئ في العالم وأكبر ميناء بحري في الشرق الأوسط، حيث يشكل محوراً رئيسياً في حركة التجارة العالمية، ويتميز الميناء بامتلاكه بنية تشغيلية متقدمة تعتمد على الأتمتة والأنظمة الذكية في عمليات الشحن والتفريغ والتخزين.
إضافة إلى وجود مناطق لوجستية متكاملة تدعم حركة التجارة والصناعة، كما يعد ميناء خليفة في أبوظبي من أكثر الموانئ تطوراً، حيث يستخدم تقنيات تشغيل آلية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ما يعزز موقع الإمارات كمركز عالمي للخدمات اللوجستية ويدعم رؤيتها نحو تنويع الاقتصاد.
ومع تقدم العالم نحو الاقتصاد الرقمي، أدركت الإمارات مبكراً أهمية تطوير البنية التحتية الرقمية وبناء شبكة اتصالات قادرة على مواكبة التحول التكنولوجي السريع، واستثمرت الدولة في شبكات الجيل الخامس، وأنظمة الحوسبة السحابية، والبنى الرقمية المرتبطة بالخدمات الحكومية.
ونتيجة لذلك، حققت الإمارات المركز الأول عالمياً في مؤشر البنية التحتية للاتصالات لعام 2024 بنسبة 100%، كما احتلت المركز الأول عالمياً في سرعة الإنترنت على الهاتف المتحرك وفق مؤشر أوكلا، وهو مركز حافظت عليه في تحديثات 2025، مما يعكس الجودة العالية لشبكات الاتصالات والاستثمار المستمر في تحديثها.
كما حققت الدولة نتائج متميزة في تقرير الأمم المتحدة لمسح الحكومة الإلكترونية 2024، حيث حصلت على درجات كاملة في مؤشر المحتوى الرقمي والمعرفة الرقمية والإطار التنفيذي للخدمات الرقمية، ما يجعلها ضمن أعلى الدول في كفاءة وتطور الخدمات الحكومية الرقمية.
تنقل ذاتي القيادة
ولا يمكن الحديث عن منجزات البنية التحتية في الدولة منذ عام 1971 دون الإشارة إلى التزامها العميق بالاستدامة، حيث تبنت الإمارات منذ بدايتها سياسات متقدمة تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتم تطبيق معايير البنية الخضراء في مشاريع الطرق والمباني، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية في عمليات الإضاءة وإدارة المرافق.
كما تم تعزيز استخدام وسائل النقل الكهربائية، وإنشاء شبكات لمحطات الشحن في المدن الكبرى، وتعد الإمارات من أوائل الدول التي تبنت تقنيات المركبات ذاتية القيادة، فقد أجرت تجارب تشغيلية ناجحة في أبوظبي ودبي.
وأعلنت خططها لتشغيل جزء من وسائل النقل إلى ذاتية القيادة تجارياً ابتداء من العام المقبل، كما توسعت في استخدام الحافلات الكهربائية التي تعمل بأنظمة ذكية تقلل من استهلاك الطاقة والانبعاثات.
وإلى جانب ذلك، عملت الدولة على إطلاق قطار الاتحاد الذي يعد من أبرز المشاريع المستقبلية التي تعكس رؤية الدولة في تطوير منظومة نقل متكاملة ومستدامة، فالمشروع الذي يربط إمارات الدولة ببعضها، وسيتم تشغيله قريباً سيمتد لاحقاً ليربط الإمارات بدول مجلس التعاون، وسوف يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي ودعم سلاسل التوريد وتقليل تكاليف النقل بين المناطق الصناعية والموانئ.
نقل مستدام
ويشكل مترو دبي مثالاً عالمياً في النقل الحضري الحديث، إذ يعتبر من أوائل خطوط المترو في العالم التي تعمل دون سائق، وقد أثبت نجاحه من خلال نقله مئات الملايين من الركاب بكفاءة عالية ودقة في المواعيد، أما ترام دبي، فهو يعد الأول عالمياً الذي يعمل بالطاقة الأرضية دون الحاجة لأسلاك علوية، مما يجعله نموذجاً حديثاً للنقل المستدام داخل المدن.
وبجانب هذه الإنجازات المتسارعة وضعت الدولة طموحاً جديداً يقوم على تنفيذ حزمة من المشاريع الوطنية على المستويين الاتحادي والمحلي في مجال النقل والطرق بقيمة إجمالية تزيد على 170 مليار درهم لغاية عام 2030، بهدف تخفيف الازدحامات المرورية، وتعزيز كفاءة التنقل بين إمارات الدولة.
وبهذه المنجزات تواصل دولة الإمارات تثبيت مكانتها في صدارة مؤشرات البنية التحتية، حيث تقدم ترتيب الدولة إلى المركز السابع عالمياً في تقرير التنافسية العالمي 2024 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا.
وجاءت ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في أكثر من 90 مؤشراً رئيسياً وفرعياً، كما حققت الدولة المركز الأول عالمياً في 20 مؤشراً من مؤشرات الجاهزية لفرص المستقبل، وهو ما يعكس مدى تطور بنيتها التحتية الرقمية واللوجستية وقدرتها على مواكبة التحولات العالمية.
تؤكد المنجزات التي تحققت منذ قيام الاتحاد أن دولة الإمارات لا تنظر إلى البنية التحتية باعتبارها مجرد طرق أو مبان أو منشآت خدمية، بل باعتبارها الأساس الذي يقوم عليه النمو الاقتصادي، والركيزة التي تعزز جودة الحياة، والعامل الذي يجعل الدولة بيئة جاذبة للاستثمارات العالمية.
ومع دخول الدولة مرحلة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية والتحول نحو النقل الذاتي والمستدام، فإن البنية التحتية الإماراتية تبدو اليوم أكثر جاهزية من أي وقت مضى لاستيعاب هذه التحولات وتعزيز مكانة الدولة على خريطة التنافسية العالمية.
تأسيس متين ورؤية مستقبلية قادت الإمارات إلى بنية تحتية عالمية المستوى
توسع متسارع لمشاريع النقل والطرق والموانئ والمطارات منذ قيام الاتحاد
الدولة تتصدر لسنوات عدة المؤشرات العالمية في جودة الطرق
سياسات متقدمة تبنتها الدولة بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية