الحياة من منظور مختلف

عندما نمرض، تتبدل علاقاتنا مع الآخرين. تتبدل سلباً كما تتبدل إيجاباً، ذلك أننا نبدأ في رؤية كل ما حولنا من منظور مختلف، بعد أن نختبر نوعاً من العزلة أو الوحدة في البداية لم نكن قد اعتدناها سابقاً، هذا الأمر يشكل للبعض نقطة انطلاق لتحولات أخرى في طريقة تعاملنا مع من حولنا، ذلك قد يكون طارئاً بسبب المرض، وقد يبقى معنا بقية حياتنا، الأمر يعتمد على نوعية شخصياتنا وثباتنا العاطفي.

العلاقات التي كانت تتسم بالسطحية قد تتحول إلى روابط أعمق وأكثر محبة، وهنا ترن تلك العبارة التي كنا نرددها بشكل أجوف سابقاً (الصديق الحقيقي هو الصديق عند الحاجة) أو (الصديق وقت الضيق). إن المرض قد يغير مراتب العلاقات بشكل لا يصدق أحياناً، حيث يتضح لنا أن الدعم العاطفي والإنساني هو أكبر احتياجاتنا في الأوقات الصعبة، وهو أعظم ما يمكن أن يقدمه الإنسان لشخص آخر.

كذلك يجعلنا المرض نفهم بعمق معنى ذلك السلوك والشعور العظيم: أن يصبح الشخص ممتناً لمن يقدمون له أي خدمة، هذا أمر في غاية الأهمية، لمن اعتادوا أن يتلقوا الخدمات والمشاعر والأعطيات وكأنها أمر مسلم به لا يستحق التوقف. عليك أن تتوقف كثيراً وأن تكون ممتناً وليس شاكراً فقط، المرض يدفعنا إلى إعادة بناء هذه العلاقات على أسس من التفهم والتعاطف.

يعلمنا المرض فلسفة العيش في اللحظة وتقدير قيمة الزمن، حيث عادةً ما نعيش حياتنا ونحن نفكر في المستقبل أو نندم على الماضي، لكن المرض يفرض على الفرد أن يعيش في اللحظة الراهنة بكل كثافتها وبساطتها ومسؤولياتها، فعندما تكون صحتك مهددة، يصبح الوقت أكثر قيمة. هذه اللحظة الحالية هي ما لديك الآن، قد يكتشف البعض أنه يجب التوقف عن التأجيل والبدء في العيش بالطريقة التي يتمنونها، وعدم رهن الحياة بجداول أخرى: التقاعد، تخرج الأولاد، تجميع المال.. إلخ.

إن كل يوم يصبح فرصة جديدة لتجربة شيء جميل، أو للتواصل مع من نحب، أو لتحقيق شيء لطالما أرجأناه، يعلمنا المرض دروساً عميقة في كيف أن الحياة ليست مضمونة، لذلك علينا أن نعيشها بكاملها، دون تردد أو تأجيل.