الممكن والمتوقع "2-2"

إن البحث عن السعادة بحد ذاتها يعد أحد أكبر تحديات ومساعي الإنسان التي تقف وراء كل هذه المجهودات والأعمال والاكتشافات والدراسات التي نراها ونتابعها كل يوم، أما السعادة الحقيقية فحكاية أخرى، حيث إن الأمر الذي قد ترى فيه أنت سبباً كافياً لتحقيق السعادة، ينظر إليه آخرون على أنه ليس كافياً لجعلهم سعداء، وبذلك لا تتوقف رحلة هؤلاء ولهاثهم للحصول على السعادة الحقيقية التي يتخيلونها!

لا بد من أن نفهم جيداً أن الإنسان كائن محدود جداً ضمن هذا الحشد اللامتناهي من الكائنات في هذا الكون الشاسع، وإلى جانب محدوديته فإن زمنه محدود وإمكانياته وقدراته كذلك، لذلك يشعر بالتعاسة حين يطمع في امتلاك كل شيء، ولا يرضى بما هو متاح له، وما سعى فعلاً لأجل تيسير حياته، إن عدم الرضا يحمل بذرة البؤس الأولى، وعدم الرضا هذا هو ما يجعل السعادة تنأى عنه كلما اعتقد أنه صار قاب قوسين أو أدنى منها.

في رحلة مستمرة في البحث عن السعادة الحقيقية يظن البعض أن المال هو الطريق، ويظن آخرون أنها الشهرة، أو الوظيفة المرموقة أو البيت والممتلكات أو... وكلما وصل لما يريد رنا لهدف أبعد، وزهد بما بين يديه، لذلك فإن أمثال هؤلاء لا يصلون أبداً، لأن عدم الرضا يخلق شعوراً مستمراً بعدم الاكتفاء والظمأ على طول الخط!

قد يحتاج الأمر أحياناً إلى إعادة ترتيب الأولويات وإدراك أن التوازن بين العمل والحياة، والعلاقات الاجتماعية الجيدة، والراحة النفسية، هي مفاتيح الراحة، والقناعة، حتى دون مال ونفوذ، وبوجود المال والشهرة والنفوذ الأمر يتعلق بدرجة التوازن، وبعلاقات جيدة، وإحساس بالامتنان، للخالق، ولكل ما يحيط بنا.

أتذكر جيداً أنني في فترة من فترات حياتي الوظيفية عملت كمساعدة مديرة مدرسة، وكانت معنا سيدة بسيطة تعمل براتب لا يتجاوز 500 درهم، لكنني لم أرها يوماً متذمرة، وإذا أعدت لك القهوة كانت تلك ألذ قهوة يمكن أن تشربها في حياتك، وكنت ألجأ إلى غرفتها في فترات الاستراحة فأجد سعادة حقيقية في الحديث معها، دون مال أو نفوذ أو شهرة.