الوعي.. وكيف يتشكل 2-2

انتهينا في مقال البارحة عند تعريف مختصر للوعي، بحسب قاموس كامبردج، يقول إنه تعبير عن مدى ودرجة إدراك وفهم الإنسان لمحيطه والاستجابة له، وهذا يعني بالضرورة أن الوعي يستلزم دائماً أن يكون لديك موقف مما يحيط بك، فطالما أدركت أمراً، سواء كان جميلاً أم قبيحاً أم ضاراً أم يشكل عبئاً عليك أم خطراً من نوع ما، فإن من الضرورة أن يكون لك موقف معين نتيجة هذا الإدراك الذي لعبت حواسك وعقلك ومشاعرك وثقافتك وتربيتك دوراً في تكوينه وبلورته.

بالنسبة لكتّاب مقالات الرأي تحديداً، فإن الوعي بما يحدث حولهم، وتبني اتجاهات إيجابية، وبالتالي عكسها، أو نقلها للقراء أمر لازم ومبدئي، فدور هؤلاء هو تشريح الأحداث وتفكيكها ونقلها للقراء، بما يسهم في تكوين صورة إيجابية، وتوجهات فاعلة، ووعي مجتمعي متحضر، بعيداً عن الشعارات والعدائية وتأليب الرأي العام أو إثارته من دون هدف سوى تحقيق معدلات قراءة عالية لما يكتبه، هذا الهدف الضيق للأسف الشديد هو ما خلق أجواء من الفوضى في المواقف لدى قطاعات كبيرة من الشباب في المجتمع، وهو ما قاد لهدم الكثير من حالات الأمن والاستقرار، ودخول بعض المجتمعات في الفوضى والهشاشة.

هناك مراحل يمر بها الكاتب خلال حياته ليصبح واحداً من موجهي الرأي العام، وليتشكل وعيه بصورة يتمكن بعدها من أن يقود الرأي العام ويؤثر فيه وفي خياراته، فلا بد له من تربية صحيحة، وتعليم جيد، وقراءات معمَّقة ومستمرة، واطلاعات متعددة ومتمددة في مجالات المعرفة كافة، ودراسة علمية تخصصية لأحد الفنون المعرفية، مع إعمال العقل والتأمل وفرص السفر والالتقاء بمختلف الثقافات، والأهم هو خوض تجارب حياتية حقيقية تترك أثرها في داخله، وتجعله قريباً من هموم وتطلعات الآخرين، وراغباً في التفاعل معهم.

وفي نهاية الأمر، فليس هناك عامل محدد أو وصفة سحرية لخلق كاتب رأي ناجح أو مؤثر، فكل ينجح بطريقته، ويؤثر من الزاوية التي يعتقد أنه قوي فيها، لكنّ هناك أسباباً عديدة وعوامل تتفاعل لتخلق كاتباً يسهم في تشكيل وعي الجماهير بالاستفادة من عوامل أخرى متاحة.