إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحت وطأة عقدة التحدي والتفوق التي أفقدتها الريادة تماماً، وتحديداً في عام 1959، عندما تغلب عليها الاتحاد السوفيتي مسجلاً سبقاً تاريخياً مدوياً أصبح به أول دولة تصل إلى سطح القمر بمركبتها الفضائية «لونا 2»، ما جعل خطوة الولايات المتحدة صوب الفضاء كردة قوية عندما وضعت أول إنسان على سطح القمر في عام 1969 متأخرة عن غريمها التقليدي بمقدار عشرة أعوام!

وها هي الصين تهز عرش الصناعة الأمريكية الأولى (الصناعات التكنولوجية) محدثة صدمة كبرى في العالم ومؤثرة على أسعار شركات البرمجيات العالمية في البورصات العالمية، بالإعلان عن برنامج الذكاء الاصطناعي المتقدم «ديب سيك»، الذي أعلن مباشرة أنه ليس سوى رأس جبل الجليد القادم بقوة ليحطم أساطيل سمعة التقنيات الأمريكية، ما أربك الولايات المتحدة وأوروبا كلها.

وهذا على وجه الدقة ما كان يخشاه ترامب من بين كل الأخطار المتلاطمة والتحديات التي كانت تنتظره، لذلك حشد في حفل تنصيبه كبار الأثرياء وأباطرة صناعة البرمجيات والتقنية، وجعل واحداً من أغنى وأشهر هؤلاء (إيلون ماسك) أحد أفراد طاقمه الوزاري.

تقدم الصين ومنافستها الكاسحة هما الرعب الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة، وليس الحرب الأوكرانية الروسية ولا أزمات الشرق الأوسط وإسرائيل، هذه تأتي لاحقاً بعد تأمين اقتصاد الولايات المتحدة وسمعتها ومكانتها واقتصادها، خاصة أن الصين بعد الصدمة القوية التي أحدثتها لأسواق التكنولوجيا بإعلان شركة الذكاء الاصطناعي الصينية DeepSeek أن نموذجها الأحدث R1 ينافس النماذج الرائدة، رغم استخدامه رقائق إلكترونية أقل تطوراً واستهلاكه طاقة أقل، ما يعني أن الصين قد تجاوزت القيود المفروضة عليها في هذا المجال وتجاوزت الولايات المتحدة، تماماً كما حدث في سباق الفضاء مع الاتحاد السوفيتي في الستينيات!!

إن صعود الصين كقوة عالمية في صناعة الإلكترونيات ليس من باب المصادفة، وإنما نتيجة جهد استراتيجي متواصل ومدعوم حكومياً بهدف السيطرة والتمدد واحتلال العالم دون إطلاق رصاصة واحدة، ولكن بعبارة أصبحت أقرب للرعب: صنع في الصين، التي هي ليست مجرد عبارة دعائية وإنما استراتيجية وطنية تهدف لأن تصبح بكين القوة العالمية الرائدة في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030!!