الخلافات تتفجر في الفلبين بين آل ماركوس وآل دوتيرتي

منذ ثورة الجيش والشعب التي أطاحت بنظام الرئيس الفلبيني الأسبق فرديناند ماركوس الديكتاتوري في فبراير 1986 تعاقب على رئاسة الجمهورية ست شخصيات تباينت خلفياتها السياسية وأجنداتها الخارجية وأسلوب إدارتها للبلاد، وكان من بينهم الرئيس القوي والرئيس الضعيف ورئيسان أقصيا بحكم قضائي ولم يكملا فترتهما الرئاسية (جوزيف ايسترادا وخليفته غلوريا ماكاباغال أرويو التي تولت القيادة بدلاً منه في يناير 2001 باعتبارها نائبة الرئيس).

في 2016 جرت انتخابات رئاسية لاختيار الرئيس السادس عشر للبلاد خلفاً للرئيس بنينو أكينو الثالث، ففاز المحامي والسياسي والمشرع المثير للجدل «رودريغو دوتيرتي» الذي شهدت فترة حكمه من 2016 إلى 2022 عمليات قتل خارج نطاق القانون للصوص والمجرمين ومافيا المخدرات. وبعد أن أكمل فترتين رئاسيتين ولم يعد بإمكانه دستورياً أن يرشح نفسه لولاية ثالثة، دفع بابنته سارة دوتيرتي إلى الحلبة كنائبة للرئيس على بطاقة المترشح للرئاسة فرديناند ماركوس الابن، ففازا فوزاً ساحقاً بنسبة 56%. ومذاك تعاونا في إدارة البلاد دون خلافات جوهرية، خصوصاً مع استمرار رودريغو دوتيرتي في لعب دور سياسي في الفلبين من خلال عضويته في مجلس الأمن القومي (باعتباره رئيساً سابقاً وصاحب خبرة سياسية)، ناهيك عن إشادته الدائمة بوالد ماركوس، معتبراً أن كل ما قيل عن ديكتاتوريته وفساده مجرد هراء.

لكن لماذا نتحدث اليوم عن كل هذا؟ السبب هو استباق ماركوس الابن استلام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لسلطاته الدستورية بإجراء ينم عن انتهاء شهر العسل بين آل ماركوس وآل دوتيرتي. فقبل ساعات من انتهاء العام 2024، فاجأ ماركوس الابن شعبه بتوقيع أمر تنفيذي يقضي بإبعاد نائبته ووالدها والمحسوبين عليهما من عضوية مجلس الأمن القومي (أعلى سلطة في الفلبين لجهة صنع القرار في مجال الأمن القومي). وبالتزامن أصدر أمراً بأن يعين في مجلس الأمن القومي شخصيات محسوبة عليه من داخل الكونغرس الفلبيني الذي يترأسه ساعده الأيمن وابن عمه ورئيس مجلس النواب «مارتن روموالديز».

أما التبرير فقد جاء في صيغة «الحاجة إلى مزيد من الضمانات لبقاء مجلس الأمن القومي مؤسسة أمنية وطنية مرنة وقادرة على التكيف مع التحديات والفرص على الصعيدين المحلي والعالمي من أجل تعزيز بيئة مواتية للحكم الفعال والاستقرار».

وهكذا، يمكن للمرء، بقراءة متأنية، استنتاج أن أعلى سلطة قرار أمني وسيادي في الفلبين لم يكن يعمل بكفاءة ومرونة كافية، أو لم يكن يتجاوب مع التحديات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية. وهذا بدوره يؤدي إلى استنتاج آخر هو تأثر عمل مجلس الأمن القومي بخلافات بين أعضائه، ولا سيما بين رئيس الجمهورية ونائبته، وهي خلافات دفعت الثانية في يونيو 2024 إلى تقديم استقالتها من حكومة الأول كوزيرة للتعليم (مع احتفاظها بمنصب نائبة للرئيس).

لم تكتف سارة دوتيرتي بالاستقالة، وإنما فتحت أيضاً النار على رئيسها ماركوس، وهددته بالقتل، قائلة إنها تحدثت إلى أحد القتلة وأمرته باغتيال الرئيس وزوجته إن تعرضت هي للقتل، الأمر الذي استنفرت معه أجهزة الأمن ووزارة العدل قواها على اعتبار أن تهديد حياة رئيس البلاد مسألة أمن قومي. وفي الوقت نفسه صدر عن والدها رودريغو دوتيرتي ردة فعل غاضبة، وعلامات ندم على تحالفه مع ماركوس في انتخابات 2022 الرئاسية، تجلت في وصف رئيس البلاد بـ «المدمن على المخدرات»، ودعوة الشعب والجيش إلى ممارسة قوتهما للإطاحة بماركوس الابن على غرار ما فعلاه مع ماركوس الأب في 1986.

ما الذي فجر الخلافات بين الرئيس ونائبته يا ترى، وأسرع بالتالي في انهيار تحالفهما السياسي؟ أو على ماذا اختلفا من بعد وئام ليقرر الرئيس إبعاد آل دوتيرتي وأنصارهم عن جميع هيئات صنع القرار الحيوية؟

الاحتمال الأرجح هو الخلاف حول سياسة البلاد الخارجية إزاء الصين. فآل دوتيرتي معروفون بتفضيلهم علاقات واسعة ومتميزة واستراتيجية مع الصين، بل يعتبرون وكلاء لبكين في الفلبين، ولهذا فإن وجودهم في مجلس الأمن القومي أثار مخاوف من نقلهم أسرار البلاد وخططها للصينيين، أما ماركوس الابن فغير متحمس لذلك خشية أن يتورط في أمور تثير غضب واشنطن وإدارة ترامب الجديدة المليئة بصقور معادين للصين ومتأهبين لردعها في أي حرب حول تايوان، وبالتالي أمر بعزل آل دوتيرتي وإبعادهم قبل أن يتعرض لضغوط أمريكية، خصوصاً وأن وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو كان قد صرح بأن الفلبين ستكون جوهر السياسة الأمريكية فيما يتعلق باحتواء الصين. والمعروف أن ماركوس الابن لم يكترث لاعتراضات آل دوتيرتي وقرر في وقت سابق منح الولايات المتحدة وصولاً عسكرياً موسعاً إلى القواعد العسكرية الفلبينية الشمالية التي تواجه تايوان.