ترامب.. محاولة يائسة لإنقاذ عالم أحادي

تسلّم الاثنين الماضي (20 يناير) بصفة رسمية، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مقاليد السلطة، وأدّى ترامب اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية خلفاً للديمقراطي جو بايدن، كما أدى جيه دي فانس بدوره اليمين الدستورية نائباً لترامب.

وتمّ ذلك وفق الأعراف والتقاليد الدستورية في مقرّ الكونغرس الأمريكي (الكابيتول) بحضور أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وأعضاء المحكمة الدستورية والرؤساء السابقين وعدد من الضيوف الأجانب، يمثّل معظمهم القوى اليمينية المتطرفة في بلدانهم، وقد أنتخب دونالد ترامب يوم 5 نوفمبر من العام الماضي، للمرة الثانية رئيساً للولايات المتحدة، وسط انتظارات دولية وإقليمية واسعة بخصوص التغيرات التي ستأتي بها سياسته على المستويين الداخلي والخارجي وبالأخصّ الحروب والنزاعات وعلى رأسها الشرق الأوسط وأوكرانيا.

وجاء خطاب ترامب بالمناسبة مباشراً وحادّاً في انتقاداته لسياسة سلفه جو بايدن الذي كان حاضراً في مراسم التنصيب رفقة نائبته كامالا هاريس، ليؤكّد مجدّداً برامجه وخياراته المعلنة خلال حملته الانتخابية، ويكاد هذا الخطاب يقتصر على المسائل الداخلية الأمريكية، وذلك من خلال قرارات وأوامر وإجراءات فورية اتّخذها فور وصوله إلى المكتب البيضاوي، وحتى قبل انتهاء مراسم حفل تنصيبه، بدأ الرئيس الأمريكي بتوقيع سلسلة من القرارات والأوامر التنفيذية بإلغاء وتجميد قوانين اتخذتها الإدارة التي سبقته، وبلغت هذه الدفعة الأولى الـ20 إجراءً، وشملت كلّ القطاعات وأهمّها، إعلان حالة الطوارئ على الحدود في إطار التصدّي للهجرة غير الشرعية وتشديد الإجراءات الديوانية، وذلك في إطار الضغط على التضخم ولتحسين المقدرة الشرائية، ومحاربة الفساد والإدارة العميقة التي تعوق التنمية.

وتعهد ترامب في ثلاثة خطابات ألقاها في يوم تنصيبه باتخاذ جملة من القرارات الخارجية والمحلية التي ستعيد «العصر الذهبي لأمريكا»، وهو ما يبدو أنّه أثار ردود فعل واسعة ورافضة، خصوصاً في ما تعلّق بالإشارات الخارجية، والتي تميّزت بإظهار واستعراض القوّة ومنها قرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وقرار الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ التي تتضمن التزامات الدول بخفض الانبعاثات وتركز على التكيف مع آثار تغير المناخ، وتوفّر الاتفاقية بالإضافة إلى ذلك، مساراً للدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ مع إنشاء إطار عمل قوي للرصد والإبلاغ عن الأهداف المناخية للبلدان، وثالث هذه القرارات المهمّة والخطيرة هو الإعلان عن نية استرجاع قنال بنما، وقد أثارت هذه القرارات والنوايا والإجراءات الديوانية وتلك التضييقات على حركة الهجرة ردود فعل رافضة في عدد من الدول المعنية بهذه الإجراءات، خصوصاً وأنّ ترامب يعود إلى السلطة سنة 2025 وفي عالم أكثر خطورة وتعقيداً من العام 2017 تاريخ بداية ولايته الأولى.

ورغم أنّ ترامب يعود إلى الحُكْمِ برأسمال سياسي لم يكن يمتلكه من قبل، خلال ولايته الأولى، فإنّ جملة الإجراءات المعلنة تؤكّد أنّ دونالد ترامب لا يبدو أنّه مدرك للتحوّلات الكبرى التي عرفها العالم وتحديداً الرفض المطرد للريادة الأمريكية على العالم ولزوال القطبية الواحدة، وهو ما يؤكّد احتمالين اثنين، فإما أن يضطرّ ترامب إلى مراجعة طموحاته نحو الأسفل وإما الدخول في مواجهة مع حلفاء الأمس.

ويبدو أنّ دول الاتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا على وجه التحديد بدأوا يرون في دخول ترامب إلى الحُكْمِ «مرحلة جديدة في العلاقات عبر الأطلسي، من خصائصها، الابتزاز المستمر، والتصريحات الصاخبة التي يتمّ نشرها عبر التغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي، والقوة التي يتمّ التباهي بها بلا تردّد، والمفاجآت المريرة التي تكتشفها فور استيقاظك» بحسب ما عبّرت عن ذلك صحيفة لوموند الفرنسية، إضافة إلى الغموض الذي يخيّم على المسألة الأوكرانية، وكذلك سيناريو الحرب التجارية المحتمل.

واضح إذاً أنّ خطاب التنصيب لدونالد ترامب كان خطاب استعراض القوّة، داخلياً، هي ساعة الثأر والانتقام من إدارة بايدن والمنظومة القضائية والإدارة العميقة وبعض الولايات «المارقة»، وخارجياً، يمثّل المعلن من سياسات ترامب محاولة، يراها البعض يائسة لعودة الريادة الأمريكية على العالم.

إنّ ولاية ترامب الجديدة ستكون بلا شكّ مرحلة انتقالية في اتّجاه تثبيت أو على الأرجح نفي نمط الحُكْمِ الشعبوي الذي يحسّده ترامب وهي ستكون في كلّ الحالات ولاية ترسيخ عالم متعدّد الأقطاب لا مكان فيه لتسلّط أيّ مجتمع أو دولة.