البحث عن جريدة ورقية

احتفلت جمعية الصحفيين الإماراتية منتصف شهر يناير الحالي باليوبيل الفضي لتأسيسها. كان الاحتفال جميلاً، وأجمل ما فيه هو دعوة الجمعية لعدد من رؤساء الاتحادات الصحفية الدولية والعربية والخليجية، ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية والمنصات الرقمية.

في حفل الافتتاح التقيت بالصديق سعد الرميحي، رئيس مجلس إدارة المركز القطري للصحافة، وهو أحد القامات الصحفية والإعلامية الخليجية والعربية، إذ تولى رئاسة تحرير مجلة «الصقر» الرياضية، ثم قام بإعادة تأسيس جريدة «الشرق»، وتولى رئاسة تحرير جريدة «الراية»، قبل أن يتم تعيينه مديراً عاماً لتلفزيون قطر.

وقد عرفته حينما كنت أتولى إدارة تلفزيون أبوظبي وكان هو يتولى إدارة التلفزيون القطري. ورغم أنني لم ألتقِ الصديق سعد الرميحي منذ فترة طويلة، إلا أنه لم يفقد الحيوية التي عرفتها فيه ويعرفها الجميع عنه.

كان أول سؤال وجهه لي هو: أين جرائدكم المحلية؟

ولأنه أدرك أنني لم أتبين قصده من السؤال، أكمل: منذ أن وصلت إلى الإمارات لم ألمس بيدي صحيفة محلية في الفندق الذي أقيم فيه. أنا من الذين يحبون قراءة النسخ الورقية من الصحف، ولا أحب النسخ الإلكترونية.

لا أعرف لماذا صادف السؤال موقفاً حدث لي قبل أسبوع من لقائي بالصديق سعد الرميحي، فقد كنت أبحث عن نسخة ورقية من إحدى صحفنا المحلية لرغبتي في الاحتفاظ بنسخة ذلك اليوم، ولكنني فشلت في الحصول على هذه النسخة رغم بحثي عنها في أكثر من مركز تجاري ومجمع تسوق، وأكثر من محطة بترول، حيث كنا نجد عادة حاملاً للصحف والمجلات، وأكثر من بقالة، حيث كانت حوامل الصحف تتوافر فيها أيضاً.

الحامل الوحيد الذي وجدته خارج إحدى البقالات كان صدئاً وفارغاً من أي صحيفة، يغطيه الغبار، الأمر الذي يدل على أنه غير مستخدم ومهمل منذ فترة.

بقي سؤال الصديق سعد الرميحي معلقاً، ولأن السؤال تم طرحه في حفل جمعية الصحفيين الإماراتية بمرور 25 عاماً على تأسيسها، فإنني قبل أن أطرحه على إدارات صحفنا المحلية، أحيله إلى بيت الصحفيين الإماراتيين، الذي يولي الصحافة الإماراتية جل اهتمامه، ويسعى إلى توثيق تاريخها ماضياً وحاضراً، ويخطط للعبور بها إلى مستقبل مشرق وآمن بالتعاون مع إدارة المؤسسات الصحفية.

أعرف أنني ربما أطرق هذا الموضوع في الوقت غير المناسب لدى أولئك الذين يرون أن زمن الورق قد ولّى، ولكنني أعلم أيضاً أنه ما زال هناك من يحب الورق ويحرص على قراءة النسخ الورقية من الصحف، كما يحب أن يمسك بيده الكتب الورقية ويشم رائحة الحبر فيها.

هؤلاء ليسوا من الجيل الذي تفتحت عيونه على الورق فقط، وإنما من الجيل الذي ولد في زمن الحواسيب والأجهزة اللوحية والكتب الرقمية والصوتية أيضاً.

لا أقول هذا من باب الكلام المرسل، ولكن لديّ حالات وأدلة، قد لا تكون كثيرة، ولكنها موجودة، فأنا أعرف شباباً يفضلون القراءة من الورق على القراءة من الألواح الإلكترونية والحواسيب والهواتف المتحركة، وغيرها من الأجهزة الرقمية الحديثة.

الحديث عن اختفاء الصحف الورقية ليس جديداً، لأنه يتردد منذ ما يزيد على عقدين من الزمن. ولو أننا أجرينا بحثاً عن اختفاء الصحف الورقية لوجدنا مئات الأخبار والمقالات والتحقيقات عن هذا الموضوع، الذي يشغل العاملين في الصحافة، ويجعل بعضاً منهم يشعرون بالقلق على وظائفهم ومصادر رزقهم. وهذا حق لا يستطيع أن ينكره عليهم أحد، لأن الأمر يتعلق بمصائرهم ومستقبل عائلاتهم وأبنائهم.

يقول فيليب مايرز، مؤلف كتاب «النهاية الحتمية للإعلام الرقمي» الذي يتناول فيه تأثير التكنولوجيا الرقمية في الإعلام والصحافة، إن العام 2043 سيشهد صدور آخر صحيفة ورقية.

وإلى أن يحل هذا الموعد فإننا نتمنى على إدارات التوزيع في صحفنا المحلية توفير عدد من النسخ الورقية التي تطبع من جرائدنا في منافذ البيع المعروفة، وعند أبواب الغرف في فنادق الخمسة نجوم على الأقل.

كما كان يحدث قبل سنوات، أو في الردهات الرئيسة لهذه الفنادق، كي يجدها صديقنا العزيز أبو محمد حينما يعود إلى الإمارات مرة أخرى، وكي نجدها نحن حينما نبحث عنها في منافذ البيع التي تعودنا أن نجدها فيها، وكي لا يصبح البحث عن جريدة ورقية موضوعاً لسؤالٍ أو سجالٍ أو مقالٍ في جريدة محلية.