شكلت الحقول المعرفية والثقافية والفكرية للشعر رافداً ثرّاً، وأتاحت له أن يستعير منها ما يحقق له الفائدة، وما يرجع عليه بالعائدة، خدمة لقضاياه؛ حُكماً، أو شرحاً، أو توضيحاً، أو تحليلاً.

وهذا إن دَلّ على شيء فإنما يدل على أن الفنون وحدةٌ واحدة، يجمعها خيط دقيق لا يتنبه له إلا من وُفق وَسُدد؛ في فهمه، وحكمه على الشعر وفنه وفلسفته.

وإنك لتقرأ لأرسطو في الشعر وفنه الكثير، فلا تقع منه على ما يدلك على ذلك، وإنك لتقرأ تعريفه؛ ولعله يكون من أجمع تعريفات من تكلم عن الشعر، فهو بمعناه الأرسطي؛ يتحدث عن أنواعه المختلفة، ووظائفه المتعددة، وفي البناء الصحيح للمنظومة، وعدد أجزائها وخصائص كل منها... إلخ

ولكن أين هذا التعريف من تعريف سابقه الفيلسوف هوراس ؛ بأن (الشعر كالرسم)، ومن تعريف الفيلسوف سيمونيدس حينما قال: (الرسم شعر صامت، والشعر صورة ناطقة). ولعل أسمى وظيفة ‌للصورة ‌في ‌الشعر أنها تحول الأحاسيس، وتبدل المشاعر إلى مرئيات ومجسمات محسوسة.

ولعل أول من تنبه لهذه العلاقة الحية هو الجاحظ، فلستَ تجدُ في تراث النقد الأدبي تعريفاً يستوقفك مثل تعريفه لفن الشعر، حيث قال: (وإنما الشِّعرُ صياغةٌ ‌وضربٌ ‌من ‌التصوير)، وقد عد بعض النقاد الكبار هذا التعريف بأنه الوحيد الذي ينظر إلى الشعر من حيث علاقته بفن آخر، أما التعاريف الأخرى بما فيها تعريف أرسطو فإنها تعاريف لم تراعِ شيئاً سوى طبيعة الشعر نفسه، حسب المفهومات التي تتباين قرباً وبعداً، على مر العصور.

ونفهم من كلام الجاحظ أن الفنون جميعها تعبر عن عواطف مشتركة، وأن غايتها واحدة؛ وهي إظهار مسارح الجمال في الكون والطبيعة، ونظراً لهذه الصلة بينها كان لزاماً على من يدرس فرعاً من فروعها أن يتزود ما أمكن من الفروع الأخرى، وأن يتثقف بها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وأخيراً؛ إن الخطر كله في النظر إلى ‌فن ‌الشعر كلفظ وعروض وقافية؛ لأن الشعر في جوهره وفلسفته هو حالة من حالات النفس.