بداية النهايات ونهاية البدايات

أيقنت أن البدايات والنهايات في العلاقات، كولادة طبيعية، وأن آلام مخاضها ألم لا تعرفه سوى أم عانت طول مخاضها، إلى أن أتى وليدها، وحملته بين يديها، فهي تلك اللحظة التي تكون البداية أو النهاية، وهنا أتحدث، وعندما توشك العلاقات على نهايتها، يكون هناك فراغ مبهم غير مفسر، وفتور مشاعر لا أعرف له وصفاً. لتبدأ المقارنات والأحكام لأصغر التفاصيل التي كانت في وقت ما شيئاً لا نعرفه حتى نراه. لكن الواقع أنه كان بعيداً عن تلك المشاعر التي لم نرها أو نفهمها، واليوم ظهرت بجمرها، تحرق كل ما يأتي في طريقها من ذكريات وخواطر وحياة كاملة.

هنا تعلن النهاية، لتكون بمشاعرها مؤلمة وجافة وخانقة، لكنها النهاية، ومن النهايات ما يضج له المكان، ومنها ما تكون صامتة بلا صوت يذكر، لكنها النهايات.

ومع كلٍ نعيشها بكل تفاصيلها، نغفل أنها بدايات جديدة، فهي لحظة تنتهي لتبدأ الأخرى، وأحياناً حياة تنتهي فتولد أخرى، وتجربة تنتهي لنحيا أخرى. لكن عندما نتعلق ونتشبث بتلك النهاية، فالبداية الجديدة لا تنتظرنا، وتتوقف معنا للوقت الذي نقرر فيه متى نبدأ، ليكون ما فات منها قد فاتنا نحن، وما تعلقنا وتشبثنا به، أصبح ماضياً ورحل، وأعطانا فرصة الاختيار بأن نأخذ ما تعلمناه، ونبدأ، أو نبقى متمسكين بظلال الماضي، ونعيش على أطلال أدوار الضحية.

وربما قد ننشغل خلال الرحلة بكثير من المشتتات، ونبتعد عن طريق الهدف، وفي وقتنا هذا، أصبحت المشتتات جزءاً من حياتنا، وحولنا وبيننا، نعيش من خلالها وبها. وقد نشكك أن تركيزنا لتحقيق الهدف شيء صعب تحقيقه، أو قد يكون السهل الممتنع.

والحقيقة أن تحقيق ذلك سهل في حالة صفاء النفس والعقل والروح، فأنت لا ترى قاع البحيرة، وقد أسقطت فيها الحجر، فقد يحتاج وقتاً ليهدأ ويستقر ما حوله، لترى بوضوح، ووضوح رؤيتك، هو بهدوء وسكينة عقلك وروحك.
أياً كانت تجارب، ذكريات، أشخاص، أماكن، علاقات، عمل، حياة، كلها جزء من منظومة حياتنا، وهو قرار أن تبدأ البداية الجديدة، أو أن تبقى أسير النهايات.